+ A
A -
على الرغم من شهرة الفيلسوف اليوناني سقراط، وتداول أقواله وحِكمِه، وقصصٍ رواها، وأحداثٍ شهدها، إلّا أنه لم يُدوِّن شيئاً عن فلسفته وعلمه ولم يُؤلِّف كتاباً قط!
طبعاً ليس بالضرورة أن يؤلف المرءُ كتاباً ليُعرف، ثمة أشخاص وإن زهدوا هم بالتدوين نجد كثيرين لم يزهدوا بهم وكتبوا عنهم، ومشاهير التاريخ من غير الكُتاب والفلاسفة أكثر من الكُتاب والفلاسفة! وليس بالضرورة أن يكتب المرءُ أقواله ليتناقلها الناس، فإن ذاكرة البشرية المنقولة شفاهاً كانت أكبر من تلك المكتوبة حتى أمدٍ قريب، وكثير من العلوم نشأت وأينعت وآتت أكلها قبل أن ينبري لها من يدونها، خذ على سبيل المثال شعر العرب في الجاهلية، فقد كان الناس يتناقلونه كأوثق ما نتناقل الكتب اليوم، والحديث النبوي الشريف تأخر تدوينه حتى خلافة عمر بن عبدالعزيز!
وإن كان لا يمكنه اليوم- مع تطور أدوات الكتابة والتدوين والتوثيق- رد كل قول ليس مدوناً، إلا أنه بالمقابل صار هذا التناقل الشفهي مثار شك، وأنا وإن كنت لستُ شكاكاً إذا ما تعلق الأمر بالعلم والأدب، ولستُ ديكارتيَّ النزعة، إلا أني أشك في نسبة كثير من الأقوال لأصحابها! والفضل أو الإثم بتعبير أدق يتحمله أصحاب حسابات الأقوال المشهورة والاقتباسات والنقولات في مواقع التواصل عموماً وفي تويتر خصوصاً!
والغريب في مواقع التواصل أنها تضربها «الموضة القولية»، فكما في عالم الأزياء يدرج كل موسم لون محدد ما يلبث أن يُطوى في الموسم الذي بعده، كذلك هي أقوال القائلين الذين أشك أساساً أنهم قالوا!
يمر علينا شهر في مواقع التواصل تصبح كل أقوال الأرض لديستويفسكي، مع أن الرجل ماتَ وشبع موتاً ولم يعد بإمكانه تأليف أكثر ممّا ألّف، وكتبه موجودة، ولو نبشتها فلن تجد أكثر من عشرة بالمائة من الأقوال التي قيلت إنها له هي له فعلاً!
يتركون ديستويفسكي وشأنه ثم تصبح كل أقوال أهل الأرض لجلال الدين الرومي، ثم يحيلون جلال الدين الرومي على التقاعد ويمنحون أقوال أهل الأرض لشمس التبريزي! مرةً يصبح جبران خليل جبران صاحب ألف قول لم يقله، وأخرى يحمل غسان كنفاني راية القائلين، بعد ذلك يستلم زمام الأمور شكسبير، ثم يقيلونه ويُسندون الأمر إلى مارك توين، وهكذا تضيع حقوق الناس الذين قالوا ما نُسب لغيرهم، وتُبنى في الناس ثقافة هشة خاطئة متخمة بأقوال لأدباء هم منها براءة الذئب من دم ابن يعقوب!
لا يقدح في ثقافة المرء أن يحفظ بيت شعر دون أن يعرف قائله، وليس سُبة أن يذكر المرء حكمة أو مقولة جميلة بين علامتي تنصيص لأنه لا يعرف قائلها، ولكن البعض من باب التباهي الثقافي، والفشخرة الأدبية، يجدون حرجاً في نقل قول دون تذييله باسم أدبي لامع! وهؤلاء يشوهون الثقافة بدل أن يخدموها، وهم جُناة أكثر منهم ناقلي معرفة، وإن كان هناك جناة وهم هؤلاء المتباهون المتفشخرون، فإن هناك ضحايا يتلقون منهم القول مع صاحبه الذي ليس صاحبه عن ثقة، وأنا شخصياً كنت مرات كثيرة ضحية هذه الثقة، فكثيراً ما قرأتُ قولاً ممهوراً باسم شخص ما ونشرته عن حسن نية وثقة كما وصلني لأكتشف بعد ذلك أني جزء من لعبة التزييف هذه حتى أخذتُ قراراً ألا أضع اسم القائل ما لم أكن على يقين أنه الذي قال وإنما أكتفي بوضعه بين علامتي تنصيص على أنه مقتبس طبعاً هذا بعد محاولتي التأكد إن كان القول منسوباً لقائله فعلاً! فإن عجزتُ فالأقواسُ تُصلِح ما أفسد الناسُ!
شيء من الأمانة في النقل لن يضر أحداً، فتثبتوا يرحمكم الله!

بقلم : أدهم شرقاوي
copy short url   نسخ
22/04/2018
3303