+ A
A -
تجرى اليوم محاولات حثيثة من قبل أطراف دولية وإقليمية عدة لمنح الشرعية لحركة طالبان التي ظننا أنها انتهت إلى الأبد، بعد ما ارتكبت من المجازر أبشعها، وانتهكت حقوق الإنسان على أوسع نطاق، واحتضنت جماعات إرهابية من كل صنف ولون، وتاجرت بالسموم والمخدرات، وجندت الأطفال والأمهات لتمرير أجنداتها الدموية.
أما السبب في هذا التطور فيكمن في الإنهاك الذي حدث للمجتمع الدولي لجهة إعادة الأمن والاستقرار إلى أفغانستان، وعلى رأس المنهكين، بطبيعة الحال، حكومة كابول. فالأخيرة، التي كانت إلى وقت قريب ترفض الانفتاح على الطالبانيين دون شروط، صارت تستجدي التحاور معهم، بل وتتفق مع السلطات الباكستانية على إقناعهم بالدخول معها في مفاوضات وعلى وضع آلية لذلك، طبقاً لما تمخضت عنه زيارة رئيس وزراء باكستان «شاهد خاقان عباسي الأخيرة إلى كابول.. وفي السياق نفسه، من المفيد العودة إلى تصريح أدلى به الرئيس الأفغاني «أشرف غني» في فبراير الماضي على هامش افتتاح المؤتمر الدولي الثاني لما يسمى بـ«عملية كابول» للسلام حينما أبدى استعداد حكومته لاعتبار طالبان قوة سياسية شرعية وفتح مكتب لها في العاصمة، بل وتغيير الدستور من أجلها.
ويمكن القول إنّ معظم الأطراف التي كانت ترى في حركة طالبان شراً مستطيراً، وجماعة مهددة للأمن والسلام، وميليشيات همجية من خارج العصر، قد بدأت مغازلتها للحركة في مسعى ارتدادي ومخالف لما تبنته من قبل حول حصر تعاملاتها مع حكومة كابول الشرعية وعدم الاعتراف بمنظمة ميليشاوية هدفها القتل والتدمير.
والدليل على صحة ما نقول أن واشنطون وهي أكبر أعداء الحركة لم تنف وجود اتصالات بينها وبين زعماء طالبان، علما بأن هذه الاتصالات بدأت في ألمانيا سنة 2012 بين رجال المخابرات المركزية الأميركية وعناصر بارزة من طالبان.
وينطق الشيء نفسه على روسيا التي اعترفت مؤخراً بوجود اتصالات بينها وبين الحركة المتطرفة، وكذلك الصين التي قال أحد أبرز خبراء الشان الأفغاني (رحيم الله يوسف) أنها دخلتْ بقوة على مسار الاتصالات بين كابول وطالبان مؤخراً.. هذا على الرغم من أن بين روسيا والصين من جهة وطالبان من جهة أخرى ما صنعه الحداد.
أما إسلام آباد التي لطالما نفت ضلوعها في الشأن الأفغاني فقد صدر عن وزير خارجتها «خواجة آصف» مؤخراً ما يفيد أن بلاده تقف على مسافة واحدة من كابول وطالبان على اعتبار أن كليهما «كيانان شرعيان» هكذا نصاً! ويمكن القول إن حماسها المتزايد اليوم لاستخدام نفوذها ودالتها على طالبان لإقناع الأخيرة بحضور محادثات سلام شاملة، تمليه رغبتها في تقديم خدمة لواشنطون على أمل تخفيف التوتر الحاصل بينها وبين إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، وبالتالي استعادة ما كان قائماً بينهما من علاقات استراتيجية ودعم اقتصادي أميركي سخي.
وعلى المنوال نفسه نجد أطرافاً أخرى بدأت تغيير مواقفها السلبية من حركة طالبان ولعل أبرز تجليات ذلك ما حدث مؤخراً في طشقند التي احتضنت مؤتمراً حول أفغانستان كان الغائب الأكبر فيها هو حركة طالبان، بينما سجلت الدولة المضيفة حضوراً بارزاً من خلال تأكيد رئيسها «شوكت ميرضيائيف» على استعداد أوزبكستان للعمل من أجل جمع أطراف النزاع الأفغاني بما فيها طالبان على طاولة المفاوضات، علماً بأن طشقند عانت كثيراً في الماضي القريب من إرهاب طالبان التي دأبت على زرع خلايا إسلاموية متطرفة في أراضيها بهدف تغيير النظام القائم والإتيان ببديل مشابه لإمارة أفغانستان الإسلامية المنقرضة.
وقد برز في مؤتمر طشقند أيضاً موقف الاتحاد الأوروبي ممثلا في ما قالته وزيرة خارجيته «فريدريكا موغريني» التي سجلت بطريقة غير مباشرة اهتمام الأوروبيين بعملية سلام أفغانية شاملة تشارك فيها فلول الطالبانيين.
د.عبدالله المدني
copy short url   نسخ
15/04/2018
2094