+ A
A -
من موازين القوة، في هذا العالم، الوقت. الدول التي امتلكت زمام الوقت، هي الدول التي امتلكت عن جدارة، زمام نفسها.. بل زمام الحاضر، وكل المستقبل.
الوقت قاطع كالسيف. هذا في المثل العربي القديم. وهو - في حالة من حالاته - متربص بك، إن لم تقطعه قطعك، لكننا أمة الأمثال والكلام والمحسنات البديعية، فقط.. لا أمة تجسيد أحسن ما في الكلام!
إضاعة الوقت، هو إضاعة للحظة الحاضرة، والآتية. إضاعة لما هو آني وما هو مستقبلي.. وكل لحظة من عمر الأمم، قيمة: قيمة اقتصادية واجتماعية وفكرية وثقافية وروحية، ومن هنا، ما أعظم القيم التي نضيعها بضياع الوقت.. والوقت هو في النهاية استثمار!
الأمم التي تستثمر وقتها، هي الأمم التي سبقت أمما تستثمر في موارد ما في باطن الأرض من كنوز. المثال واضح جدا: الأغنياء في هذا العالم- أفرادا وأمما- هم الذين فجروا ثورات قطع الوقت، تلك التي تمثلت في ثورة التكنولوجيا العجيبة، والتي جعلت- في النهاية- هذا العالم- عالما واحدا، لا خير في فرد منه- في الشمال أو الجنوب- إلا بمقدار ما اكتسبه هو- على المستوى الفردي- من هذه الثورة العجيبة، التي تأتيك بالعجائب، فقط بكبسة أزرار!
هنا، ما ينطبق على الفرد، ينطبق على الدولة.. وما أكثر الدول التي أصبحت خارج هذا العالم!
الثورة العجيبة، هي في كل يوم جديد، من حال إلى حال، وأحوال البشر الذين يعرفون قيمتها الحقيقية، هم في لهث وراءها، يوما من بعد يوم، ولا من لحاق، ذلك لأنها مثل نور المصباح اليدوي، كلما وصلت أنت إلى مكان النور، كان النور أمامك، بمسافة!
ما أعجبهم. أولئك الذين صنعوا ثورة قطع الوقت.. وما أعجب الدول التي تعيش هذه الثورة.. والثورة من حال إلى حال، وما أعظم لهاثها، تلك الدول.. وفي المقابل ما أبأس الدول التي فاتتها هذه الثورة، وخرجت بالتالي عن نظام الوقت، وضيّعت من هنا قيمته الحقيقية!
«إهدار الوقت، مثل إهدار الدم.. جريمة» ينبغي أن يعاقب عليها القانون، بل هي جريمة ينبغي على أن يعاقب عليها كل فرد مهدر للوقت، بينه وبين، نفسه أولا، قبل أن يعاقبه القانون.. تماما مثل وزير المساعدات البريطاني- اللورد مايكل بيتس- الذي قدم استقالته بسبب تأخره عن اجتماع لمجلس العموم لعدة دقائق!
اللورد مايكل قال وهو يرتعش بما يشبه رعشة البكاء «العموميين»: «إنني أشعر بالخجل. أنني آسف. أنني أتحمل مسؤولية إهدار وقتكم».
ذلك رجل يعرف قيمة الوقت.. ويعرف كارثية إهداره. يعرف تماما أن إهداره مثل إهدار الدم.. جريمة تستحق المساءلة.. وتستحق العقاب!
الحديث عن الوقت، ثروته وثروته، وتضييعه، بل إهداره كما الدم، حرضني عليه كل هذا الوقت الضائع في الخرطوم، ليس فقط باختناقات المرور اليومية، فقط، وإنما بانعدام البترول، والذي تسبب في كل هذه الطوابير من السيارات والناقلات الساكتة، أمام محطات الوقود.
الذي تسبب في الأزمة، لا يعرف الوقت وقيمته.. ولا يعرف – قبل ذلك- حسن التدبير، ولا يعرف قبل ذلك ما يعرف من أدبيات الدول التي تحسن التدبير، أدبيات الاحتياطي، ذلك الذي هو لكل ما هو وارد من شح، وندرة، وانقطاع!
أظن أنني قلت، إنه يجب علينا محاسبة المسؤول.. بل أظن أنني قلت ينبغي على هذا المسؤول يعاقب نفسه بالاستقالة، قبل أن تعاقبه الجهة المعنية، بالإقالة!

بقلم : هاشم كرار
copy short url   نسخ
04/04/2018
2506