+ A
A -
أكدَّتْ دِراسة أنَّ المرأة أبرع من الرجل في إنجاز الأعمال المكتبية، فقد أثبتَ العلماءُ أنها أكثرُ تركيزًا وأقلُّ التهاءً كما هو الحال عند الرجال، وكانت هذه الدراسة محط اعتراض كثيرين، فقد تناقلتْ وسائل الإعلام أن الهدف منها إعطاء المرأة مكانًا أكبر في الوظائف العامة، وأكد شهود عيان تململًا في صفوف الموظفين الرجال من نتائج هذه الدراسة، وبالمقابل أيّد ناشطون مدافعون عن حقوق المرأة ما خلصت إليه الدراسة معتبرين أنه قد حان الوقت لإقصاء الهيمنة الذكورية على الوظائف!
لطفًا لا أمرًا أعِدْ قراءة الكلام أعلاه، فهذا أمر ضروري لما سيأتي لاحقًا..
سأفترض عزيزي القارئ أنك قرأت الكلام مرة ثانية، والآن دعني أسألك عن عدة مصطلحات وردت فيه:
أكدت دراسة علمية: هل سألتَ نفسك أين جرتْ هذه الدراسة، ومن قام بها، ومن هي عينة الدراسة؟!
أثبت العلماء: هل سألتَ نفسك من هم هؤلاء العلماء، وهل راودك الفضول لتعرف اسم واحد منهم على الأقل؟
كانت الدراسة محط اعتراض كثيرين: هل سألتَ نفسك عن هؤلاء الكثيرين الذين اعترضوا، أين يعيشون، ما هي ثقافتهم، معتقداتهم، مستوياتهم الاقتصادية؟
تناقلت وسائل الاعلام: هل سألتَ نفسك من هي وسائل الإعلام هذه، هل هي قنوات متلفزة، صحف، مواقع تواصل، من يديرها، من يمولها؟
وأكد شهود عيان: هل سألتَ نفسك من هم شهود العيان هؤلاء، وكيف كانوا هناك ليشاهدوا، وما هو غرضهم من هذا التأكيد العظيم، أو لمن أكدوا ما شاهدوه؟!
أيّد ناشطون: هل سألت نفسكَ من هم هؤلاء الناشطين، ولماذا نشطوا لا أضاع الله لهم تعب نشاطهم؟!
الآن حان الوقت عزيزي القارئ لأخبرك أنّ الدراسة التي أكدت ليس لها وجود، ولم تؤكد شيئًا، أنا قمتُ بتأليف الكلام أعلاه «لغاية في نفس يعقوب»، والعلماء الذين أثبتوا أنا جعلتهم يثبتون، والكثيرون الذين اعترضوا أنا جعلتهم يعترضون، ووسائل الإعلام التي تناقلت أنا جعلتها تتناقل، وشهود العيان أنا جعلتهم يشاهدون، والناشطون أنا جعلتهم ينشطون، حتى أولئك الذين تململوا أنا جعلتهم يتململون!
الهدف من هذا الكلام كله أن أخبركم أن ثمة مصطلحات تُستخدم لخداع الرأي العام، لأنها عادة ما تبعث على الارتياح عند القارئ، وتجعله يُسلّم بما قرأه، فالدراسات العلمية توحي بجهد عظيم، والعلماء يوحون بالثقة، وشهود العيان يوحون أن الأمر قد وقع فعلًا، والمعترضون يوحون أن تجاذبًا ما قد حدث، ووسائل الإعلام توحي أن الأمر موثق!
ليس غرضي أن أقول إن المرأة أقل كفاءة من الرجل أو العكس ما لهذا جمعتكم، وتبًا لي سائر اليوم إن كنتُ أردتُ هذا، كل ما أردته أن تقرأوا بعقولكم لا بأعينكم، وأن تحاكموا ما تقرأوه وألا تتلقوه بالتسليم كأنه وحي نزل من السماء، وأن الرأي العام يُصنع كما تُصنع بقية الأشياء من الإبرة إلى الطائرة، وأن الإنسان إذا لم يكن فطنًا سيتم حشوه بكثير من المعتقدات والأفكار الخاطئة.
كما لا يفوتني أن أنوه أني على استعداد لمساعدة أي إنسان يريد أن يجعل من رأيه أو فكرته الخاصة حقيقة، في بضعة أسطر أستطيع تحويل الرأي إلى دراسة علمية، وأوظف لها علماء لن يسأل عن أسمائهم أحد، وأجعل وسائل الإعلام التي لا تهم أحدًا تتناقلها، كذلك سأحضر شهود عيان ليشهدوا اعتراض المعارضين ورضا المدافعين!
وكل دراسة علمية وأنتم بخير!

بقلم : أدهم شرقاوي
copy short url   نسخ
01/04/2018
3620