+ A
A -
في افتتاحه منذ أيام لاجتماع اللجنتين، التنفيذية لمنظمة التحرير والمركزية لحركة فتح، شن محمود عباس هجوما كاسحا على حركة حماس التي اتهمها بتدبير محاولة اغتيال كان قد تعرض لها كل من رامي الحمد الله، رئيس الوزراء، وماجد فرج، مدير جهاز المخابرات، أثناء زيارتهما للقطاع يوم 13 مارس الجاري، وأكد على أن الذي حصل «لن يمر ولن نسمح له أن يمر» ووعد «باتخاذ الإجراءات الوطنية والقانونية والمالية المناسبة للحفاظ على المشروع الوطني».
وقد رأى كثيرون في هذا الموقف العنيف من حماس نية مبيتة للتملص من استحقاقات المصالحة الوطنية وتعبيرا عن رغبة واضحة في إغلاق ملفها الحزين إلى الأبد. كما كان لافتا للنظر في الوقت نفسه أن هجوم عباس لم يقتصر على حركة حماس هذه المرة وإنما امتد ليشمل الولايات المتحدة الأميركية في الوقت نفسه، ونعت السفير الأميركي في إسرائيل بألفاظ قاسية لأنه «يعتبر بناء المستوطنات عملا شرعيا، ويدعي أن هؤلاء المستوطنين يبنون في أراضيهم». فكيف لعباس أن يشن هجوما كاسحا على حماس وعلى الولايات المتحدة في الوقت نفسه، الأمر الذي بدا لكثيرين تعبيرا ليس فقط عن مأزق شخصي يواجه محمود عباس، كرئيس للسلطة الفلسطينية، وإنما عن مأزق عام تواجهه القضية الفلسطينية.
من المعروف أن إسرائيل كانت قد راهنت على محمود عباس، واعتبرته بديلا مقبولا أكثر مرونة من ياسر عرفات، خصوصا بعد رفضه لمقترحات عرضت عليه في مؤتمر كامب ديفيد لعام 2000، والذي عقد تحت إشراف الرئيس الأميركي كلينتون وشارك فيه إيهود باراك، رئيس الوزراء الإسرائيلي في ذلك الوقت. وقد أدى رفض ياسر عرفات لتلك المقترحات إلى إقدام إسرائيل على حصاره في المقاطعة ثم اغتياله بالسم بعد ذلك. اليوم، وبعد أكثر من عشر سنوات على اغتيال عرفات وتوليه مسؤولية السلطة الفلسطينية، يكتشف عباس أن إسرائيل ترفض حل الدولتين كما ترفض في الوقت نفسه حل الدولة الواحدة التي يشارك فيها الفلسطينيون والإسرائيليون على قدم المساواة كمواطنين يتمتعون بنفس الحقوق والواجبات، وأنها لن تقبل للفلسطينيين سوى بحكم ذاتي يكرس وضعهم كمواطنين من الدرجة الثانية في شبه دولة تهيمن عليها وتتحكم في مقدراتها، كما يكتشف أيضا أن الإدارة الأميركية الحالية تتبنى موقف إسرائيل بالكامل وستمضي معها حتى النهاية في الضغط على السلطة الفلسطينية إلى أن يتم تمرير تسوية بشروطها.
يدرك عباس أيضا أنه بات طاعنا في السن ولديه مشكلات صحية كثيرة، وأن صراعا مستترا على خلافته يدور خلف الكواليس، وأن أطرافا دولية وإقليمية تراهن على دحلان، اعتقادا منها أنه أكثر مرونة وربما أكثر قدرة على قبول وتمرير تسوية بالشروط الإسرائيلية. ولأنه لا يستطيع تقديم استقالته، لأن ذلك سيفتح الباب على مصراعيه لصراع على السلطة لا يحتمله الواقع الفلسطيني حاليا، فمن الواضح أن عباس بدا يواجه مأزقا لا فكاك منه. فهو عاجز عن المضي قدما على طريق التسوية السلمية لأن ما تطرحه إسرائيل يستحيل قبوله، وعاجز عن التلويح بالمقاومة المسلحة لأنه لم يعد يملك أدواتها، وعاجز عن إتمام المصالحة مع حماس لأنه يدرك أن أي مصالحة حقيقية ستفتح باب النقاش حتما حول مقومات المشروع الوطني الفلسطيني، بكل ما يعنيه ذلك من ضرورة إعادة هيكلة البنى والمؤسسات الوطنية الفلسطينية، فضلا عن أن الاحتكام إلى صناديق الاقتراع قد يسفر عن فوز حماس من جديد.
الهروب من المصالحة، وتغطية هذا الهروب بالهجوم على الولايات المتحدة والسفير الأميركي في إسرائيل. ليس حلا. وعلى عباس أن يميز بين مأزقه الشخصي كرئيس للسلطة الفلسطينية والمأزق الذي دخلت فيه القضية الفلسطينية بسبب اتفاقية أوسلو. يبدو أنه لم يعد أمام عباس سوى التضحية بمصلحته الشخصية لإنقاذ المشروع الوطني الفلسطيني.
بقلم:د. حسن نافعة
copy short url   نسخ
29/03/2018
2157