+ A
A -
تقولُ العامة في أمثالها: جاور السّعيد تسعد!
وأمثال العامة لا يمكن التسليم بها جميعًا، فبعضها أحمق من أبي غبشان الذي باع سدانة الكعبة في الجاهلية لقصي بن كلاب بزقِّ خمرٍ! وبعضها يفيضُ حكمة كأنه كلام لقمان!
وعلى ما يبدو أن قولهم جاور السّعيد تسعد فيه من الحكمة الكثير، وهذا ليس مجرد رأي مني، وإنما أثبته العلم، أجل العلم ولا تتعجلوا فسآتيكم «من سبأ بنبأ يقين»!
منذ شهر تقريبًا قرأتُ دراسة بريطانية تقول:
إن السعادة مُعدية، وفور البدء بالانضمام لمجموعات سعيدة من الناس والابتعاد عن البؤساء حتى في مواقع التواصل الاجتماعي فستتحسن حالتك النفسية!
وقتها قلتُ في نفسي، دراسة يتيمة، والدراسات أحيانًا أكذب من أمثال العوام، ولكن شاء الله ألا تبقى هذه الدراسة يتيمة وأن يكون لها أهلون، فقد قرأتُ البارحة أن هناك دراسة نمساوية حيث قام الدارسون بوضع طلاب أذكياء وسط مجموعة من الطلاب الأغبياء فانخفض معدل ذكائهم، وبذلك أثبتوا أن الغباء مُعدٍ فعلًا!
وفي الحقيقة لسنا بحاجة إلى الدراسات لإثبات هذا الأمر، فمنذ قديم الدهر قالت العرب: الرفيق قبل الطريق! هذا لأنهم عرفوا أن إنسانًا غثيثًا بإمكانه أن ينكد على قافلة كاملة ويجعل السفر من مدينة إلى مدينة كأنه رحلة ماجلان حول العالم لإثبات كروية الأرض! وبالمقابل قد يجعل آخر السفر الذي هو قطعة من العذاب رحلة عذبة يرغب المرء بتكرارها!
وكذلك من قديم الدهر قالوا: الجار قبل الدار! لأنهم عرفوا أن جارًا سيئًا قد يجعل دارك الواسعة أضيق عليك من خرم إبرة، وأن جارًا جيدًا قد يجعل دارك الضيقة أوسع عليك من قصر منيف!
وعلى سيرة جيران السوء، باع شاعر بيته بسعر رخيص، فلامه الناس على هذه الصفقة الخاسرة، فانشد قائلًا:
يلومونني أن بعتُ بالرخص منزلي
ولم يعلموا جارًا هناك يُنغصُ
فقلتُ لهم: كفوا الملام فإنما
بجيرانها تغلو الديار وترخصُ
وباع أعرابي داره، فسئل: لمَ بعتَ دارك؟
فقال: لم أبعْ داري وإنما بعتُ جاري!
وعلى سيرة الجار الطَّيب، روى الزمخشري في ربيع الأبرار قال:
باع أبو الجهم العدوي داره بمائة ألف دينار، ثم قال لمن اشترى: بكم تشتري جوار سعيد بن العاص؟!
فقال المشتري: وهل يُشترى جوار قط؟
فقال أبو الجهم، ردوا عليَّ داري إذًا، والله لا أترك جوار رجل إذا غبتُ سأل عني، وإذا رآني رحب بي، وإذا غبتُ حفظني، وإذا حضرتُ قرّبني، وإذا سألته أعطاني، وإذا لم أسأله ابتدأني!
فبلغ ذلك سعيد بن العاص، فأرسل إليه مائة ألف دينار مع رسالة كتب فيها: هذا ثمن الدار ولا تترك جوارنا أبدًا!
المهم من هذا كله، تجنبوا النكديين ما استطعتم إلى ذلك سبيلًا، بدقيقة واحدة يستطيع أحدهم أن يفسد يومك من شروق الشمس حتى مغيبها، ويفسد ليلتك من أول المساء حتى مطلع الفجر، وإياكم أن تخلطوا بين المتشائم والنكدي، المتشائم هو الذي يرى نصف الكوب الفارغ، بعكس المتفائل الذي يرى نصف الكوب الممتلئ، أما النكدي فلا يعنيه لا النصف الفارغ ولا النصف الممتلئ، كل ما يعنيه أن يكسر الكوب لينغص عليك ويرتاح!
بقلم : أدهم شرقاوي
copy short url   نسخ
25/03/2018
7262