+ A
A -
مع بداية فصل الربيع في الحادي والعشرين من مارس(آذار) الجاري، تم الاحتفال بعيد الأم، حيث عيّد كثيرون على أمهاتهم بهذه المناسبة، وافتكروا هذه القيمة الكبيرة، حيث عبّروا بالكلمة، والعاطفة، والهدية، عن العرفان والتقدير لست الحبايب.
ولكل من تحمل لقب «ست الحبايب» كل الحب، كفاية أن نؤكّد لها بكلماتٍ قليلة أنها الحبيبة، والقريبة، والحضن الدافئ، والعطاء السخيّ، مع دعائنا لها بأن يبارك الله فيها ويحفظها عزيزةً غاليةً من كلّ سوءٍ.
وهذه حكايةٌ عن أسلوبٍ، يرى كثيرون أنه بمثابة حمايةٍ للأم، ومحافظةٍ عليها، وعلى قيمتها، وكيانها المعنويّ.
في صيف العام 1966، رأت منظمة التحرير الفلسطينية أن تعطي المغتربين (وكنا أنا وأخي منهم) دورةً عسكريةً..
في الدورة كنّا في صحبة مجموعةٍ من تلاميذي الذين درّستهم في مدرسة الشجاعية الإعدادية بغزة، وتخرّجوا فيما بعد محاسبين، ومهندسين، وعملوا في بلدانٍ عربية، وانضمّ للشلة شابٌّ آخر من حيّ الشجاعيّة.
وكانت أيام المعسكر التدريبي من أحلى، وأمتع الرحلات في حياتي، فهؤلاء الشبان كانوا يعكسون خُلُقَ وطبائع أبناء حيِّهم الغزّاوي العريق. ولمن لا يعرف تلك الطبائع أقول: إنها تتّسم بالشَّجاعة والانتماء للقبيلة والعشيرة، وإغاثة الملهوف، ونصرة القريب: ظالماً كان أم مظلوما، ولم يكن الشاب الذي انضم إلينا قد نال حظّاً كافياً من التَّعليم، ولكنه عكس أخلاقيات، وقِيَم حيِّه.
قبل التخرُّج من الدَّورة، كان يتعيَّن علينا أن نملأ كشفاً معلوماتيّاً، يحتوي - ضمن أمورٍ أخرى- اسم الوالدة، عرف صاحبنا ذلك، فراح يتأخّر في الطابور، ويتأخر معه -كذلك- أبناء حيّه الذين يصطفّون خلفه، وكانوا - فيما يبدو- توّاقين لمعرفة اسم والدته. لمحه الشاويش، فأبطل محاولاته في التراجع..
وحين وقف أمام ضابط الكتيبة، وهو رجلٌ عسكريٌّ صارمٌ من أبناء حيّ التفّاح المجاور للشجاعية، دوّن المعلومات، لكن حين وصل إلى ما يخصّ اسم الوالدة «تَربس» صاحبنا، وامتنع عن الإفصاح بالاسم، خشية أن يعرفه من يقفون خلفه، نهره الضابط، ولا فائدة، هدده بتوقيع عقوبةٍ صارمةٍ، وهي لفّ الملعب الرياضي عشر مرات، أجابه:
- ألفّه عشرين مرةً، ولا أفصح عن اسم «أَمي».
طبعاً لم يسترحْ الشبان أبناء حيِّه الذين كانوا متلهِّفين لمعرفة اسم والدته، نفّذ العقوبة كالحصان الرَّهَوان، ورجع للضابط للإفصاح عن اسم الوالدة دون رقباء.
في المساء، ونحن على حفل شايٍ بسيط نقدم الهدايا التذكارية للشاويش، قال هذا لصاحبنا، وعلى مسمعٍٍ من الجميع:
- كده يا راجل تعمل في نفسك، ما كانش لازم تعاند حضرة الضابط، ليه ما قلتلوش من الأول إن اسم أمك «محظيّة»؟
ومن حسن حظ ابن محظية،أن ذلك اليوم كان الأخير في أيام الدورة.

بقلم : حسن شكري فلفل
copy short url   نسخ
23/03/2018
2476