+ A
A -
على الرغم من أهمية الأبعاد السياسية لقرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب الاستغناء عن خدمات وزير الخارجية ريكس تيلرسون، وتعيين مدير وكالة المخابرات المركزية مايكل بومبيو بديلاً عنه، فإن القضية الأهم والأخطر تقع في مكان آخر.
فالرئيس ترامب عيّن نائب رئيس المخابرات السيدة جينا هاسبل على رأس هذا الجهاز. ولكن من هي هذه السيدة؟ ولماذا اختارها الرئيس لملء هذا المنصب السياسي الحساس أمنياً وسياسياً؟.
لقد نشرت وسائل التواصل الاجتماعي في الولايات المتحدة صورة لها في سجن أبو غريب في العراق أثناء الاحتلال الأميركي. وتبدو في الصورة وهي تضحك للكاميرا أمام جثة متفحمة لأحد المعتقلين. وحذفت صور أخرى لها وهي تقطع العضو الذكري لمعتقل مجهول الهوية وتضعه في فمه وهو جثة هامدة.
بعد انتهاء مهمتها في العراق، عهد إليها مسؤولية الإشراف على تعذيب المعتقلين لحملهم على الإدلاء بمعلومات تكشف عن أدوارهم في المنظمات الإرهابية، وتلقي الضوء لجهاز المخابرات لمعرفة أشخاص ومهمات هذه المنظمات. غير أن القانون الأميركي لا يسمح بالتعذيب في الولايات المتحدة. ومن هنا كان البرنامج الذي أشرفت عليه والذي يقضي بنقل المتهمين إلى بعض الدول الصديقة التي لا ترى مانعاً أخلاقياً في تعذيب المعتقلين للحصول منهم على المعلومات المطلوبة.
بدأت هذه المهمة قبل غزو العراق، وواصلت أداءها بعد الغزو.
فقبل الغزو كانت إدارة الرئيس الأسبق جورج بوش تبحث عن ذريعة ما لتبرير اجتياحها. ووجدت هذه الذريعة في اتهام العراق بإنتاج أسلحة دمار شامل.
كانت القوات الأميركية قد اعتقلت في أفغانستان في عام 2002 «ابن الشيخ» الليبي. ومن خلال تعذيبه (دفن حياً لمدة 17 ساعة في صندوق خشبي خاص بالأموات)، ولم يخرج منه إلا بعد أن وافق على «الاعتراف» بأنه يملك معلومات عن أسلحة الدمار الشامل في العراق وأنه جرى تدريب كوادر منظمة القاعدة على استخدام هذه الأسلحة في العراق. وكانت تلك «المعلومات(؟)» أساس المداخلة التي قدمها وزير خارجية الولايات المتحدة في ذلك الوقت كولن باول أمام مجلس الأمن الدولي والتي اتخذت ذريعة للاجتياح في العام التالي، أولاً من خلال اتهام العراق بإنتاج هذه الأسلحة، وثانياً من خلال اتهام العراق بالتعاون مع القاعدة.. كانت جينا هاسبل هي المشرف على تعذيب وعلى استجواب «ابن الشيخ».
شجع نجاح هذه التجربة المحدودة، على توسيعها. فكان اتفاق الولايات المتحدة مع عدد من الدول التي تسمح بالتعذيب، بينها تايلند ودول عربية أخرى على إرسال المعتقلين من السجون الأميركية إلى سجون هذه الدول لاستخراج المعلومات منهم تحت التعذيب. وكانت جينا هاسبل مرة أخرى المسؤولة عن هذا البرنامج اللاإنساني الرهيب.
وقد أدركت الإدارة الأميركية فيما بعد أن المعلومات التي انتزعت من المعتقلين تحت التعذيب لم تكن صحيحة. إلا أنهم أدلوا بها للتخلص من العذاب.
ولم يوقف هذا البرنامج إلا في عهد الرئيس السابق باراك أوباما.
أما الوثائق الرسمية عن تلك المعتقلات التي كانت تشرف عليها هاسبل، فقد جرى إتلافها وإحراق أشرطة التحقيق والمشاهد المصورة للتعذيب، بعد أن تبوأت منصب نائب رئيس جهاز المخابرات.
من أجل ذلك ترتفع أصوات معارضة لقرار الرئيس ترامب، ومن أبرزها صوت عضو الكونغرس عن ولاية أريزونا– من الحزب الجمهوري- جون ماكين. وفي عام 2003 وقفت السيناتور ديان فاينشيان (من ولاية كاليفورنيا وعضو لجنة المخابرات في الكونغرس) ضد ترقية هاسبل وتعيينها في مركز قيادي في إدارة جهاز المخابرات.
من هنا السؤال: لماذا اختار الرئيس ترامب هذه السيدة بالذات لتبوؤ أحد أهم المناصب الأمنية في الولايات المتحدة؟.
نص القانون الأميركي على إخضاع أي شخص يعين في منصب سياسي أو أمني حساس، إلى الاستجواب في الكونغرس. وهو ما ستخضع له هاسبل. والتهمة الأساسية الموجهة إليها، ليست حول تعذيب المعتقلين والسجناء، ولكن حول أسباب إحراق وإتلاف الأدلة من الوثائق المختلفة التي تعتبر ملكاً للدولة الأميركية وليس لأي موظف فيها.
مع ذلك فإن هذه قضية شكلية. القضية الجوهرية تتمثل في قرار الرئيس ترامب الذي يبدو وكأنه يقدم مكافأة لسيدة متهمة بارتكاب جريمة ضد الإنسانية تحت مظلة الدفاع عن الأمن الأميركي.
ولعل المفاجأة الكبرى هي أن منظمة حقوق الإنسان اعترفت بأنها تحتفظ ببعض هذه الوثائق. فهل تجرؤ على الكشف عنها؟..

بقلم : محمد السماك
copy short url   نسخ
22/03/2018
2013