+ A
A -
يحتوي كتاب مهم نشره السير الجنرال ريتشارد شيريف النائب السابق للقائد العام لحلف الناتو، وتوقع فيه نشوب حرب بين روسيا والحلف عام «2017»، على قدر لا بأس به من «الخيال العلمي»، غير أن صداماً عسكرياً بين الجانبين في العام القادم، ليس كله خيالاً.
ومن خلال مراقبة مسلك «القيصر» فلاديمير بوتين، نرى أنه قد شد حبل التحدي لأميركا وبقية الناتو حتى قارب أن ينقطع، وهو ما برهن عليه ليس في أوروبا فقط ولكن في سوريا التي حط فيها عسكرياً وعينه على خطفها من الأميركيين واستثمارها في تحقيق أهدافه التوسعية.
نجح الكرملين في احتلال سوريا، لكنه لا يعتبرها من أولوياته، كما لا تنظر واشنطن إلى فقدانها دمشق بكثير من الاهتمام، فيما تتركز العيون الروسية والأطلسية على ما بعد كتاب السير الجنرال شيريف الذي نصح الناتو بتعزيز وجوده العسكري في دول البلطيق إذا أراد تجنب مخاطر حرب نووية مع الروس.
ويذكرنا الجنرال بأن بوتين غزا جورجيا وأوكرانيا واقتطع من الأخيرة شبه جزيرة القرم وضمها على الفور إلى روسيا. هذا المسلك العدواني المرعب يستهدف النظام الأمني الأوروبي من أساسه، خاصة أن الرئيس الروسي لم يخف ولعه بالمغامرة عندما دعا إلى إحياء تفاهمات «يالطا» وتقسيم مناطق النفوذ مجدداً، متعهداً في الوقت نفسه بالدفاع عن حقوق المواطنين الروس ونجدتهم في أي بقعة من الكرة الأرضية.
وفي ظل هذه المعادلة التي أوجدها بوتين يتساءل جنرالات الناتو «إذا كانت المعاهدات والاتفاقيات غير مقدسة في نظر موسكو .. فلماذا تكون حدود دولنا مقدسة بالنسبة لها»؟
ومنذ حربها على جورجيا عام «2008» تتبع روسيا استراتيجية إشعال المناطق التي كانت جزءاً من الاتحاد السوفياتي السابق، وشن حملات استفزازية ضد المحيط الجيو ــ سياسي الغربي الذي يزعم الروس أنه يحاصرهم عن عمد من خلال الدرع الصاروخي الأميركي الممتد في دول أوروبية.
ولم يتخل بوتين عن لهجته التهديدية الغاضبة عندما قال في مؤتمر صحفي أمس الأول إن رومانيا وبولندا أصبحتا الآن في مرمى النار الروسية بعد أن نشرت على أراضيهما خلال الأسبوعين الأخيرين أحزاء من الدرع الأميركي الذي هو عبارة عن منطومات صاروخية متشعبة، يقول الغرب إنها تستهدف مواجهة أي هجمات إيرانية صاروخية.
رد بوتين بالقول إن هذه المنظومات تشغل صواريخ قادرة على الوصول إلى المدن الروسية مما يضطر موسكو إلى اتخاذ الإجراءات ــ لم يحددها ــ للدفاع عن أراضيها، معرباً عن استيائه لعدم أخذ واشنطن تحذيراته بجدية.
أما بالنسبة لادعاء الغرب بأن الدرع الصاروخي مخصص لإحباط هجمات إيرانية محتملة، فقد ذكّر الرئيس الروسي الناتو بأن الدول الكبرى وقعت اتفاقاً يحد من برنامج طهران النووي، مما يجعل هذه الحجة غير منطقية.
وبعد أن اشتكى بوتين من أن «لا أحد يسمعنا أو يريد ان يتفاوض معنا» بشأن الدرع الأميركي، رفض أي إمكانية للتفاوض حول القرم الذي قال إن ضمه أبدي وإن سكانه هم الذين طلبوا الانضمام لروسيا.
الرومان والبولنديون يضعون أيديهم على قلوبهم، في الوقت الذي توقع فيه مراقبون أن يوجه الروس عيون صواريخهم إلى بوخارست ووارسو في تصعيد جديد لصراع موسكو مع الناتو الذي تقوده أميركا.

بقلم : مازن حماد
copy short url   نسخ
29/05/2016
2447