+ A
A -
إذا قبلنا بفكرة أن العالم ينقسم اليوم إلى دول ديمقراطية و«دول عميقة»، بديلا لما كان سائدا قبل انفراط عقد المعسكرين الشرقي والغربي، فإن المفهوم الديمقراطي يبدو مطاطا للغاية بما يسمح بنوع من الخلط، فلا يمكن، على سبيل المثال، قبول فكرة أن الديمقراطية الأميركية صورة طبق الأصل من الديمقراطية البريطانية، أو الفرنسية، أو غيرهما.
يمكن القول أن النظام الأميركي خليط من «الدولة الديمقراطية» و«الدولة العميقة»، مع اختلاف طبيعة المؤسسات المسيطرة، ويمكن القول أيضا أن النظام الروسي شبيه بالنظام الأميركي، فهو الآخر خليط بين الاثنين. من هنا يجب الانطلاق عند إطلاق الأحكام على نتائج الانتخابات الرئاسية الروسية، وفوز الرئيس بوتين فيها، فهذا الرجل أعاد الاعتبار لبلاده، وكرسها قوة عظمى مرة أخرى، بعد أن كادت تتحول إلى الفوضى، و«تلقي المساعدات»، قبل أن يتبوأ سدة الرئاسة فيها.
روسيا بوتين غير روسيا غورباتشوف وغير روسيا يلتسين، لقد عادت لتمارس دورا قويا في المجتمع الدولي، بغض النظر عن وجهات النظر المختلفة حيال هذا الدور، لكن الشيء المؤكد هو أن بوتين أعاد لهذا البلد مجده الضائع، وفق رؤية تحقق مصالحه، تماما كما هو الحال بالنسبة للولايات المتحدة، التي تحركها مصالحها، وليس مصالح الآخرين. فوز بوتين كان طبيعيا، والحديث عن تزوير وتلاعب ينطلق من مكائد سياسية لامعنى لها، وحتى لو امتنع بوتين عن تعديل الدستور، مع أن الحديث مبكر للغاية، من أجل ولاية رئاسية جديدة، إلا أنه وضع أسس الدولة الروسية الجديدة، ومكنها من التأثير بقوة في المجريات العالمية، وهو دور لن يكون في مقدور أي رئيس مقبل التراجع عنه.
التعامل مع روسيا، وفق هذا المنطق، يجب أن يتم انطلاقا من دورها الرئيسي وأي محاولة للاستخفاف بها لن تؤدي سوى إلى مواجهات ساخنة سيدفع العالم بأسره ثمنها، فهي اليوم أكثر قوة من «الاتحاد السوفياتي» وأكثر تمسكا بلعب دور مؤثر سيكون من الخطأ بمكان تجاهله أو التقليل من شأنه.

بقلم : حسان يونس
copy short url   نسخ
22/03/2018
2291