+ A
A -
مخطئون أولئك الذين يتصورون أن الحكمةَ في الفلفل الحار أو في الملح أو في السُّكَّر، فكل ما تجاوز الجرعةَ المطلوبة منه فَقَدَ لَذَّتَه وزَهد فيه اللسانُ الذَّوَّاق.
الْمُشاهِد للدراما هو بدوره ذوَّاق، يتذوق بلسان حِسِّه النقدي ما شاء له الحظُّ من أطباق الدراما التي تُمْلِيها الشاشةُ أو القناةُ التي يَجِدُ فيها مَهْرَباً من عُلبة الحياة الضيقة التي تَعْصُره مشاكلها وهمومُها.
اللذة الفنية التي ينشدها الْمُشاهِد العربي أصبحَتْ أعزّ ما يُطلَب، وهذا ليس لأن المعروضَ لا يُناسِب ذائقته أو لا يَحترم خصوصيته، وإنما لأن ما يَطرحه صُناَّع الدراما أضحى غير قابل للتصديق.
إذا كان الحُبُّ باعتباره تيمة يَحظى باهتمامِ المشتغلين في قطاع الإنتاج الدرامي، فإن قلقَهم الدفين، وحِرصَهم على الإحاطة بشَغَف الْمُشاهِد من مُنطلَق تَوَسُّلِهِم بالتيمة تلك، لا يَرقى إلى مستوى ثقةِ الْمُشاهِد في جنود الخفاء الساهرين على إرضائه.
الحُبُّ كالملح، يحتاج دائما ممن يستعين به في طَبَقِه الدرامي الدَّسِم أن يَستعمله بِقَدْرٍ مُعَيَّن دون أن يَتجاوزَ الحدود، فالكثير من مِلح الحُبّ يُفْسِد طبخةَ المسلسل، وإلى الحين نَجهل باعتبارنا مُشاهِدِين سِرَّ لهفة صُنَّاع الدراما على أن يَسجنوا الْمُشاهِد في مطبخ الفُرْجَة الذي لا يُقَدِّم سوى طَبَق الحُبّ.
فُرن الحُبّ المشتعِل أكثر مما ينبغي يجعلكَ زاهدا في طَبَق الدراما المحروق. والحُبّ المسكين يكاد يُمَزِّقُ مَلابسَه صارخا ثائرا مِن فرط إقحام صُنَّاع الدراما له في كل قضية، كأن قضيةَ الْمُشاهِد الأولى هي الحصول على رغيف الحُبّ، كأننا لَسْنَا في حاجة إلى رؤية رغيف الخبز إلا مُصَوَّرا مع أبطال المسلسل.
وعلى ذكر المسلسلات التي غالبا ما يَكون بَطلُها الانتصار لكل ما يَطمس معالم الهوية ويَقضي على التربية، نَقِفُ عند ظاهرة فنية كثيرا ما لا نَجِدُ لها تفسيرا، إنها ظاهرة الجزء الثاني من المسلسل الذي لا يتفق مع عقل ولا مع منطق.
تَخَيَّلْ وأنتَ تُشاهِد الجزءَ الثاني لعدد من المسلسَلات أن وباءً قد اجتاحَ مكان التصوير فَأَوْدَى بحياة مُعْظَم أبطال المسلسل بعد عرض الجزء الأول. فالقائمون على أمر الجزء الثاني يَستكثرون على الْمُشاهِد أن يَجِدَ تفسيرا لاختفاء عدد من الممثلين دون سابقِ إشعار.
في الجزء الثاني دائما لن تَجد تَفسيرا لأكثر مِن تَحَوُّل في مسار المسلسل، ولذلك ستَجِدُ الصراعَ الدائر في قصة الجزء الأول بعيدا كل البُعد عن مُنْعَرَجات الجزء الثاني، ناهيك عن عنوان المسلسل الذي لا يتفق جُزؤه الثاني مع أحداث الجزء الأول ولا مع أغنية الجينيريك، كأن فريقَ العمل استغل نجاح الجزء الأول وجازف باسمه لحصاد نجاح جديد لن يُمَنِّيَ نفسَه به.
رِفْقاً بالْمُشاهِد! لا تَكذبوا على نفوسكم لِتُصَدِّقوا أنه يَجد في ما يُبَثُّ من أطباق درامية لذَّتَه المفقودة. اَلْمُشاهِد العربي أذكى من أن يَسْتَحْمِرَه صُنَّاع الدراما أو أن يَسْتَغْفِلَه الباحثون عن الشهرة والمال دون أن يَدفعوا ضريبة أو ثمنا.
نافِذَةُ الرُّوح:
«الْمَسافةُ إلى نفسِكَ جِسرُ مُصالَحةٍ على نَهرٍ لا تَجري بين ضِفَّتَيه دُموع الندم».
«سألَ النهارُ الليلَ: أين تُخْفِي عباءَتَك السوداء ما أن تُبْصِرَني قادما؟! فأجابَ الليلُ: حرارةُ نورك تَغشاني، فأَخْلَعُ عباءتي وأُلْقِي بها بعيدا لِأَسْبحَ في مياه المحيط».
«خُيوطُ الصمتِ في الوقت الْمُناسِب منها نَنسج ثوبَ الحِكمة».
«عَرَفْتُ الناسَ إلى الدرجة التي تَجعلني أَزْهد فيهم».
«مِنْكَ يا بحرُ أَسْتَمِدُّ قوةَ الرغبة في التجدد».
«الليلُ بَحْرٌ يَكفي لِأُذيبَ فيه قصائد حُزْنِ امرأةٍ عربية».
«بَين الجُبْنِ والْمُروءةِ نَفْسٌ أَمَّارَةٌ».

بقلم : سعاد درير
copy short url   نسخ
15/03/2018
2863