+ A
A -
مع مجيء الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى كرسي الرئاسة في البيت الأبيض، شرع في محاولة إعادة قولبة المنطقة بما يخدم المصالح الصهيونية وبدأ الحديث عما يسمى صفقة القرن بوصفها حلا نهائيا لمشكل النزاع العربي الصهيوني. وفي توجهه هذا استفاد الرجل من حالة التشرذم العربي ومن الأنظمة التي تحاول تقديم صك براءة من كل ما يمت بصلة بالقضية الفلسطينية وما يتعلق بالمقاومة ضد الاحتلال.
ومن هنا تواترت التصريحات من مسؤولين عرب تجعل من المقاومة صنوا للإرهاب وامتدادا له وهو ما يمكن استنتاجه بوضوح من تصريحات وزير الخارجية السعودي الذي ما فتئ يكرر القول إن حركة المقاومة الفلسطينية حماس هي تنظيم إرهابي. وهذا التساوق التام مع الموقف الصهيوني يأتي ضمن سياق عام يقوم على محاولة شل ومحاصرة كل أشكال الرفض لما يقترفه الاحتلال في الأراضي الفلسطينية.
فموقف النظام المصري الذي لا يخفي تخندقه مع التوجه السعودي الإماراتي أصبح يسير بشكل حثيث نحو حلف غير معلن مع الكيان الصهيوني والانتقال من مرحلة التطبيع الدبلوماسي إلى حالة التعاون الاقتصادي (استيراد الغاز من الكيان الصهيوني) وصولا إلى التنسيق السياسي ضد ما يعتبرانه نفوذا تركياً متزايدا في المنطقة وليس انتهاء بالتنسيق الأمني والعسكري خاصة في ظل الإجراءات المصرية في شبه جزيرة سيناء وما تم الكشف عنه من قيام الطيران العسكري الصهيوني بعشرات العمليات فوق الأراضي المصرية في سيناء.
أما الموقف الإماراتي فهو لا يبتعد كثيرا عن الموقف السعودي من حيث الرغبة في بناء الجسور مع الكيان الصهيوني ومحاولة ترتيب الأولويات في المنطقة حيث تحول الصهاينة إلى حليف طبيعي ضد إيران والأغرب أن يتم توظيف هذه العلاقات ضد أشقاء عرب وضد حركات المقاومة ومحاولات إجهاض الربيع العربي. فلا يمكن نفي وجود تقاطع مصالح وثيق بين دول الحصار الثلاثي زائد البحرين مع سياسات الكيان الصهيوني في المنطقة في جوانب مختلفة: أولها تصفية المقاومة الفلسطينية والرغبة في إيجاد وضع نهائي يتم فيه تطبيع وجود الصهاينة في المنطقة بوصفهم طرفا أساسيا. ومن ناحية أخرى اتفقت مصالح دول الحصار مع السياسات الصهيونية في محاولات ضرب ثورات الربيع العربي فالكيان الصهيوني الذي اعتبر حسني مبارك كنزا استراتيجيا من قبل كان من أشد المتضررين من نجاح الثورة المصرية ولهذا لم يكن غريبا أن يساند الانقلاب العسكري في مصر بذات الطريقة التي اعتمدتها كل من السعودية والإمارات، ثالثا تمت شيطنة المقاومة الفلسطينية ومحاولة التضييق على كل داعمي صمود الشعب الفلسطيني وهو ما يمكن أن نفهم من خلاله لماذا تمت محاصرة قطر والضغط عليها من أجل أن تتوقف عن إمداد غزة بالمساعدات التي تعينها على البقاء والمحافظة على صمودها البطولي في ظل الحصار الجائر وأخيرا لا تخفي دول الحصار وحليفها الكيان الصهيوني قلقهم من التوجهات التركية الجديدة وهو أمر نجد له أثرا في محاولات حشر تركيا في زاوية العدو للعرب كما يحاول جزء من الدعاية الرسمية لدول الحصار تسويقه للشارع العربي وهو ما تؤيده السياسات الصهيونية الرسمية. إن كل خطوط التقاطع بين جزء من النظام الرسمي العربي والكيان الصهيوني هو ما يشكل رافعة لمحاولة الرئيس الأميركي التسويق لما يسميه صفقة القرن والتمهيد لها بنقل السفارة الأميركية إلى القدس والاعتراف بها عاصمة أبدية للكيان الصهيوني والرغبة المعلنة في تدجين الشارع العربي عبر وسائل الدعاية المركّزة التي تحاول تسويق فكرة أن الثورات هي سبب الفوضى والضعف وأن الحل يكمن في القبول بالأنظمة الاستبدادية المتحالفة مع الصهاينة.
غير أن ما لا يدركه هؤلاء أن الوقائع على الأرض تختلف دوما مع حسابات السياسة النظرية فكثيرا ما تم الاعتقاد انه تم الإجهاز على روح المقاومة في الشارع العربي وأن الوضع قد أصبح مناسبا لإعلان الكيان سيدا أوحد للمنطقة لتأتي بعدها الانتفاضات الشعبية والثورات الجماهيرية لتعيد كل الحسابات إلى نقطة الصفر من جديد.
بقلم : سمير حمدي
copy short url   نسخ
13/03/2018
2486