+ A
A -
يتمتع عدد من الرياضيين بتوافق عضلي عصبي، بحيث تتحكم أعصابهم فتكون عضلاتهم طيعة لما تمليه عليه أعصابهم. بالمقابل ندر من تمتع بلياقة التوافق السلوكي المعتقدي، فيقعون في فخ عدم الولاء للقناعات. فمثلًا إن اعتقد شخص بضرر السكريات على الصحة، فإنه بإزاء مواجهات وتحديات يومية مع الحلوى. وإن آمن آخر بحرمة الرشوة فقليلا ما سيلحظ أن هدايا العمل غلول. فتبني المرء لكوكبة من المثل والقيم، تجعله بمسيس الحاجة «لنفس نفيسة» قادرة على الهيمنة والتحكم لإملاء معتقداتها لتسوق سلوكيات المرء. فكما يحتاج الإنسان لجسد رياضي لائق يساعده على ممارسة التوافق العضلي العصبي، فإنه بالتوازي يحتاج لضمير فائق اليقظة لممارسة التوافق المعتقدي السلوكي.
فلأننا نصرف سلوكياتنا من حساب معتقداتنا، فتلك المصارف تسفر عن تصرفات تمر عبر سلوكيات تشهد علينا إما بوفائنا لقناعتنا وإما لخيانتنا لها.
فالممارسات الاخلاقية الايجابية تكشف عن نفسها في صورة تصرفات صائبة تمر من عنق أسلاك أو سلوكيات منسوبة لصلب المعتقد الشريف، النزيه.
والمشكل ان كل هذا يعتمل في ضمير الإنسان بحيث يجد نفسه مضطرًا لتبني قرارات في لحيظات معدودة. وأحسب أن أكثرنا يتأكدون من صوابية إجاباتهم مباشرة عقب الخروج من قاعة الامتحان.
بمعنى انهم يقعون في خطأ التطبيق بالتصرف الخاطئ رغم معرفتهم الأكيدة للنظرية الصائبة التي كان من المفترض ان يتبنوا سلوكياتهم وفقا لها.
فحفظ النظرية اسهل بكثير من تطبيقها. وإن كنا صغارًا نستعد للامتحان ونحن متيقنون أن الأسئلة ستكون تطبيقاتها مختلفة قليلا عما ظهرت عليه النظرية، إلا أننا في امتحانات الحياة ننسى أننا بإزاء اختبار لحظي، لذلك، نغفل عن كل من النظرية وتطبيقاتها. فالأحداث تكون أشد وضوحاً وأكثر قابلية للتوقع بالإدراك المتأخر، فحينما يـتأكد الإنسان قطعياً من النتائج، يتولد لديه شعور أن الموضوع كان بديهياً للغاية فيتعجب «كيف فاتتني».
واكم من تصرف نسلكه، ثم نتأكد من خطئه مباشرة عقب انتهاء الموقف ونندم بل ونوبخ أنفسنا: «كان يجب ان أتصرف على نحو معاكس، كيف تصرفت بهذا الشكل؟». من تلك المواقف، أذكر أنني أثناء تسوقي ذات يوم، وجدت حانوتًا يبيع أثوابًا مبهرة، فتقصيت عن السعر، وخلصت أن بإمكاني شراء أربعة أثواب عقب استلام راتبي.
عدت للحانوت لاحقًا محملة بالنقد، لكن قبيل الدفع رحت أتفحص الأثواب، فوجدتها بانتظاري، ولمحت بجانبي شابة تقلب الأثواب والأفكار معًا، فلم تستوقفني كثيرًا كونها كانت تُحَدِّث البائع، إلا أني لاحظت أن نفس الاثواب قد لاقت استحسانها.
ذهبت للدفع. لكن للعجب وجدت البائع محتدًا في حديثه معي. «حرام عليكِ، ألا تفكرين سوى بنفسك، على الأقل اتركي لها فستانًا، إنها عروس وتحتاجه لحفل خطبتها لتتشرف أمام أهل عريسها».
وقع كلام البائع على رأسي فأدماني، ولكم احترمت هذا الرجل، فأكم من بائعين لا هم لهم سوى تلبيس الزبون في البضاعة أملًا في الأعشار ونسب الأرباح.
لقد فاقت لياقاته السلوكية سلوكي، لربما كونه كان أدرى بخبر الخطبة.
مرت سنوات على هذه الواقعة، إلا أنني كلما تذكرتها عاتبت نفسي ووبختها:
«كان أجدى وليتني وألف ليتني، ليتني دفعت ولو جزءا من ثمنه للعروس ولو دون أن تدري». صدقًا إننا نعيش حياتنا للأمام، لكننا ندرك الصوابيات بأثر رجعي، حينما تمضي الحياة بنا للخلف.

بقلم : داليا الحديدي
copy short url   نسخ
10/03/2018
3076