+ A
A -
قيل: إنّ أطول مسافة بين شخصين هي سوء الفهم!
وقيل هذه نستخدمها نحن معشر الكُتَّاب عندما نريدُ أن نسطو على جملة لا نعرفُ قائلها!
وما قيل في باب السطو أيضاً: إذا سرقتَ مقولة لكاتب فأنتَ لص، وإذا سرقتَ مائة مقولة لمائة كاتب فأنتَ باحث!
وبالعودة إلى سوء الفهم، يروي إدوارد غاليانو على ذمته في كتابه «صياد القصص» أنه عندما وطأت أقدام الغزاة الإسبان أول مرة رمال شبه جزيرة يوكاتان، خرج بعض السكان المحليين للقائهم.
وحسب ما روى الراهب توربيو دي بينابيتوروا، سألهم الإسبان باللغة القشتالية:
- أين نحن؟ ما اسم هذا المكان؟
فقال الأهالي، بلغة المايا اليوكاتيكا: تيكتيتان، تيكتيتان!
ففهم الإسبان ذلك «يوكاتان، يوكاتان»
ومنذ ذلك الحين صار شبه الجزيرة يحمل هذا الاسم.. لكن معنى ما قاله السكان الأصليون بلغتهم: لا نفهمك، لا نفهمك!
قصة غاليانو هذه على طرافتها تشير إلى أكثر الظواهر البشرية شيوعًا، وانتشارًا، ألا وهي «ظاهرة سوء الفهم»، وإذا سلّمنا أن سوء الفهم الحاصل بين شخصين يتحدثان لغتين مختلفتين هو مسألة واردة ونتيجة حتمية، وإن ما يمكن أن يُحدثه غازٍ في أرض محتلة هو أسوأ بطبيعة الحال من مجرد تزوير اسم إحدى جزرها، إلا أن ثمة أضرارًا أكثر فداحةً قد يسببها فهم خاطئ في موضع لا يحتمل الخطأ!
ففقدان شبه جزيرة يوكاتان لاسمها الأصلي لا يضاهي فقد 73 شخصًا حياتهم جرّاء تحطم طائرة بوينغ في حادثة أفيانكا الرحلة 52 نتيجة سوء فهم بين المراقبين الجويين في مطار كينيدي الدولي وطاقم الطائرة حول الوقت المقدر لوقود الطائرة، مما أدى إلى تحطمها في ليلة عاصفة، ولذا أصبح قائدو الطائرات يستخدمون مصطلحات مثل READ-BACK، أي أعد قراءة ما قلت لتفادي أي سوء فهم قد يحدث!
وعلى مستوى أصغر مساحة من مطار كينيدي، وأقل ارتفاعًا من المسافة المقدرة لتحليق طائرة نجد أن ثمة ضحايا كُثر لحوادث سوء الفهم التي تقتل الأشخاص والعلاقات على حدٍ سواء، ففي تلك المساحة الضيقة بين شخصين قد ترتفع الكثير من الحواجز على أساس بسبب خاطئ لتصرف، أو لكلمة تبدو من زاوية ما أشد على القلب من وقع السياط، وحين نحبسها في الصدر، ونحول بينها وبين التفسير الصحيح بالصمت والتكتم، بدل المسارعة للاستيضاح الذي هو حق وواجب على حد سواء، قد نفقد صفاء شعورنا تجاه الآخر، وبالتالي يتحول ذلك الترابط الذي كان وثيقًا إلى مجرد خيط واهٍ أثقلته الظنون الناتجة عن الأفهام الخاطئة، وصار عرضةً للتمزق مع أدنى حدث عابر!
إن مستوى العلاقات بيننا وبين الآخرين متفاوت بلا شك، فأكثرهم قربًا هو أكثرهم فهمًا أو تفهمًا، ذلك أن أقوى عاطفة على الأرض لا يمكن أن تصمد طويلًا وسط نيران الشك، وكلما كثرت الأمور التي ندفنها في أنفسنا تجاه شخص ما كلما تضاعفت المسافة الروحية بيننا وبينه ولو كانت المسافة المكانية هي شبر من الأرض!
التسرع غالبًا مدعاة للندم، فكيف بالتسرع الذي يحفزه سوء فهم، قد تقتل علاقة كانت لتكون أجمل لو استمعت قليلًا للطرف الآخر، وسمحت لعقلك أن ينتقل لزاوية أخرى أكثر وضوحًا لعلك ترى ما لم تسمح عتمة زاويتك برؤيته، وعلى غرار قائدي الطائرات استخدم مصطلح «READ-BACK» لتسمع جيدًا، وبالتالي تفهم جيدًا، وبالتالي تتصرف جيدًا!
بقلم : أدهم شرقاوي
copy short url   نسخ
08/03/2018
6989