+ A
A -
هل تراجع سعد الحريري أم تراجعت السعودية؟ سؤال يتوقف عليه مصير الانتخابات البرلمانية في لبنان في مايو المقبل وخريطة تموضع القوى السياسية اللبنانية في المرحلة القادمة. فمع قيام رئيس الحكومة اللبنانية بزيارة السعودية كثرت التكهنات وتعددت القراءات واختلفت التحليلات. كانت زيارات الحريري إلى المملكة عادية ومتكررة، ولا تشكل في مطلق الأحوال حدثا بحد ذاته بحكم علاقته الخاصة بالعائلة المالكة. فهناك نشأ وترعرع وورث علاقته السياسية وأعماله ومشاريعه عن والده رفيق الحريري. أما ما حدث في 4 نوفمبر الماضي فقد حول العلاقة الوثيقة إلى شأن آخر. في ذلك اليوم أعلن من السعودية وبشكل مفاجئ استقالته من رئاسة الحكومة اللبنانية واحتجز هناك. قرار صدم الاوساط السياسية اللبنانية، خصوصا بعد ان تبين انه أرغم على اتخاذه. ومنذ ذلك التاريخ لم تطأ قدماه السعودية ودخلت العلاقة في شبه قطيعة.
لذلك، فإن زيارته تشكل حدثا لافتا لأنها تمت بدعوة رسمية من المملكة وتخللها لقاء مع الملك سلمان، ومع ولي العهد محمد بن سلمان الذي كان على ما يبدو وراء دفع الحريري إلى الاستقالة. وقد حصلت الزيارة بناء على رغبة واضحة من القيادة السعودية التي أوفدت المستشار الخاص في الديوان الملكي نزار العلولا لتسليم الدعوة شخصيا للحريري وإعادة وصل ما انقطع مع الحكم في لبنان.
السعودية كانت قد أعربت عن استيائها من السياسة التي انتهجها الحريري والتي أدت قبل أكثر من سنة إلى عقد صفقة مع ميشال عون بانتخابه رئيسا للجمهورية مقابل عودة الحريري إلى رئاسة الحكومة، بعد فراغ دام سنتين ونصف السنة في موقع رئاسة الجمهورية مارسه عون و«حزب الله» عبر تعطيل البرلمان لفرض عون نفسه رئيسا. وقد تم يومها اقناع الرياض بان انتخاب عون سيدفعه إلى فك تحالفه مع «حزب الله» الذي يشكل رأس حربة لإيران في لبنان وأداتها في المنطقة. الا ان هذا الأمر لم يحصل بل على العكس اذ راح عون من موقعه الرئاسي يدافع عن سلاح «حزب الله» في أكثر من مناسبة بحجة ان الجيش ما زال ضعيفا وغير قادرا للدفاع عن لبنان. فيما انتهج الحريري سياسة انحياز شبه كامل لمواقف عون وتياره المنحاز لما يعرف بـ«محور الممانعة»، أكثر من ذلك، خطا الحريري خطوة لافتة ومفاجئة باتجاه «حزب الله» بإعلانه انه «يشكل عامل استقرار في لبنان»!
فلماذا أعادت المملكة اليوم النظر في موقفها؟ لا شك ان ما قامت به المملكة تجاه الحريري غير مقبول، وكان له وقع سيئ عند كثير من اللبنانيين، الذين رأوا فيه تدخلا في شؤون لبنان الداخلية. وقدم خدمة جليلة لفريق 8 آذار الذي سارع إلى احتضان الحريري لدرجة ان حسن نصرالله وصفه لأول مرة بـ«رئيس حكومتنا». وعشية الانتخابات النيابية وجدت القيادة السعودية نفسها خارج دائرة الفعل في ساحة المواجهة الرئيسية مع قيادة الملالي في طهران، فيما يخطط «الثنائي-الشيعي» (»حركة أمل» و«حزب الله») للحصول على الأكثرية البرلمانية في الانتخابات بالتحالف والتنسيق مع «التيار العوني»، فكان لا بد لها ان تتحرك لاستعادة دورها المؤثر واعادة «الابن الضال» وفك تحالفه مع عون والعمل على اعادة اللحمة إلى «قوى 14 آذار» (وشد العصب السني المتنوع) لمواجهة «المحور الإيراني» في الانتخابات.
فهل ان الحريري مستعد للابتعاد عن حلفائه الجدد الذين عبدوا له طريق الحكومة نحو المشاريع والصفقات المتنوعة؟.. ان قيام السعودية بدعوته لزيارتها يمثل من قبلها إعادة اعتبار له لا يمكنه إلا ان يقابلها بالمثل، غير انه ربما لن يستجيب (أو لن يكون بمقدوره) لضغوطها من اجل العودة إلى نسج تحالفات انتخابية مع فرقاء 14 آذار المتفرقين. فإذا فعل سيخسر رئاسة الحكومة لأنه أصبح رهينة في أيدي عون و«حزب الله». ان مخرجه الوحيد على الارجح من اجل ترميم العلاقة مع المملكة وضرورة تأمين المال لمؤتمرات الدعم الدولية للبنان هو خوض الانتخابات بلوائحه الخاصة.
بقلم:سعد كيوان
copy short url   نسخ
06/03/2018
2457