+ A
A -
أظهَرتَ نتائج استطلاع رأي، أجراه مركز القدس للإعلام والاتصال في رام الله أواخر فبراير 2018 تراجع مكانةِ منظمةِ التحرير الفلسطينيةِ، وعموم الفصائل والقوى والأحزاب العاملةِ في المجتمع والشارع الفلسطيني في الضفةِ الغربيةِ ومنطقةِ القدس. ففي نتائج الاستطلاع المنشورة فإنَّ مُعظم الفلسطينيين 54 % لا يثقون بأي فصيل فلسطيني، بينما وفي استطلاعٍ مُماثل أجري في شهر أغسطس العام 2017، فإنَّ 41 % من الفلسطينيين قالوا إنهم لا يثقون بأي فصيلٍ سياسي.
ما يهمنا في النتيجة المدونة أعلاه، أنها تعكس تململاً مُتزايداً في صفوف الناس في فلسطين، وابتعاداً وافتراقاً منهم عن غالبية القوى والفصائل. حيث تتحمّل الفصائل مسؤولية أساسية في سيادة روح اليأس والإحباط لدى قطاعاتٍ مُتسِعَةٍ من الشباب الفلسطيني بشكلٍ خاص، وسيادة روح التذمر الشديدة، مع تحجّر بنى تلك الفصائل، وفقدانها العلاقات الصحيحة والمحترمة مع الناس، وحتى مع أعضائها وكوادرها، حيث باتَ مُعظمها، وخاصة منها القوى والفصائل اليسارية، فصائل طاردة للكفاءات... إلخ.
إنَّ إعادة بناء البدائل من داخل تلك البنى الحزبية والفصائلية في فلسطين، والتي قاربت بمعظمها على الاهتراء شبه الكلي، لا يتم إلاَّ بفعلِ عملٍ ديمقراطي حقيقي في الساحة الفلسطينية، وبنفسٍ صبور، ومثابر دون اللجوء إلى مغامراتٍ قد تتسبب في تفكيك وتفتيت الوضع الفلسطيني الذي يُعاني الانقسام الداخلي أصلاً.
وقد تبدو مسألة إعادة بناء البدائل من داخل القوى والأحزاب والفصائل القديمة في فلسطين، أمراً صعباً للوهلةِ الأولى في ظلِ معادلةٍ فلسطينيةٍ مُعقّدة. لكن الإصرار عليها، والشروع بها ليس بالأمر المستحيل، فقد تقادمت قياداتِ مُعظمِ الفصائل، وشاخت رموزها القيادية، بفعلِ عامل الزمن وزحف العوامل البيولوجية، حيث تُسيطر على قيادةِ مُعظمِ تلك القوى والفصائل قيادات متوسط أعمارها يقترب من 75 عاماً. كما تقترب أعمار بعض الأمناء العامين من عتبة الخمسة والثمانين عاماً، ومنهم مازال قائداً وأميناً عاما منذ نهاية ستينيات القرن الماضي ومازال في موقعه، فيما نمت وترعرعت الأجيال المُتتالية من أبناء فلسطين في ظل العملية الوطنية الفلسطينية المُستديمة والمُستمرة منذ انطلاقة الثورة الفلسطينية المعاصرة فجر الأول من يناير 1965، وفي ظلِ الانتفاضات المُتلاحقة على يد فتيان وشبان فلسطين في الداخل الفلسطيني المحتل عام 1967، وفي الداخل المحتل عام 1948.
التجديد الذي نَقصدُه في بنية تلك الفصائل، وعلى مستوى قياداتها، هو التجديد الذي يساعد ويعمل على تنمية العقول، وزيادة الثروة المعرفية، ولا يعني الانقلاب على القديم ونسفهِ، وشطبهِ، وإنهاء تجربته ووأدها على ما فيها من مثالب، ولا يعني ولادةِ أحزابٍ وفصائل جديدة، فالساحة السياسية الفلسطينية ليست بحاجةٍ لأي حزبٍ جديد، بل يعني تجديد الدماء والحياة في العروق التي شاخت وتيبست، وإعطاء الفرص للكفاءات الصاعدة التي «اندعكت: بالمصطلح الفلسطيني» في العمل الوطني والمجتمعي والمؤسساتي، مع الاستفادة من خبرات القديم وخميرة تجربتهِ.

بقلم : علي بدوان
copy short url   نسخ
06/03/2018
1988