+ A
A -
تَعيش الساحة الفلسطينية، وتحديداً السلطة الوطنية الفلسطينية، حالة من الترقب الحَذِر بعد فترة طويلة من الجمود السياسي، ومماطلات حكومة نتانياهو، واستمرارها في الموافقة على توسيع المُستعمَرات في منطقة القدس وبعض مناطق الضفة الغربية، بالرغم من الحديث المتواتر منذ فترةٍ قصيرة عن المبادرة الفرنسية، التي يجري الترويج لها من قبل عدة أطراف دولية وإقليمية، فيما أعلنت «إسرائيل» أكثر من مرة عن رفضها للمبادرة أو تحفظها على العديد من بنودها في أحسن الأحوال. وقد بدا الأمَرُ جلياً خلال الأيام الأخيرة في ارتفاع حدة الصوت «الإسرائيلي» الناقد والمُتحفظ على المبادرة الفرنسية، بعد أن صوتت فرنسا إلى جانب فلسطين في منظمة اليونسكو.
والجدير بالملاحظة والتدقيق، أن المبادرة الفرنسية لم تأت بالجديد أصلاً، ومضمونها معروف، ومُعلن، ومفتوح، لكن الأهم من كل ذلك أنها تستنسخ نفسها عن غيرها، وتأتي كتكرار للمُكرر، ودون آليات للتنفيذ حال افتراضنا أن الأطراف المعنية توافقت عليها، وبالتالي فإن احتمالات نجاحها محدودة جداً في أفضل الحالات.
فالمبادرة الفرسية لايُمكن لها ان تُقدم الحل الناجع لحالة الجمود السياسي الراهن، ولايُمكن لها أن تملأ الفراغ السياسي، وحالة الجمود العملية في الساحة الفلسطينية، بالنسبة للمسار السياسي التفاوضي على المسار الفلسطيني «الإسرائيلي» في ظل المعادلات القائمة راهناً على أرض الواقع، وفي ظل الموقف الأميركي الذي بقي يُكرر حاله بالنسبة لمواضيع التسوية على مسارها الفلسطيني «الإسرائيلي» طوال الحقبة الثانية لإدارة الرئيس باراك أوباما.
فالركود السياسي، وانسداد أفق عملية التسوية، والضغوط المسلطة على القيادة الفلسطينية، ومعها عجز النُخب الفلسطينية عن أخذ زمام المبادرة وطرح وإجتراح الخيارات البديلة للخروج من الواقع المأزوم، يُمثّل السمة الأبرز في المشهد السياسي في الساحة الفلسطيني «الإسرائيلية»، حيث استمرار المراوحة والنفخ بقربة مثقوبة.
وبالطبع، إن أحداث العالم العربي، والنيران المُستعرة في مسارات الأحداث في سوريا، ومايجري في مدينة حلب وحولها، فرضت نفسها على الواقع السياسي الراهن، ودفعت بالقضية الفلسطينية إلى الوراء في سلم الاهتمامات والاتصالات الدولية الجارية.
ومع هذا فإن الأحداث المُشتعلة في سوريا، والجمود المُخيّم على الحالة السياسية الفلسطينية، لايعني بأن قضية فلسطين قد خَرَجَت من سلم الاولويات الدولية، أو أنها نَزَلَت إلى قاعِ اهتماماته. فالقضية الفلسطينية تبقى الأساس في قضايا المنطقة، خصوصاً مع استمرار الكفاح الوطني التحرري الفلسطيني من خلال الهبات المتتالية ضد الاحتلال في الضفة الغربية والقدس على يد الأجيال الصاعدة من أبناء فلسطين، على أيدي الشُبان والشابات، وتزايد أنماط الأعمال المناهضة للاحتلال، دون ترتيب وتنسيق، ودون أي دور فصائلي أو تنظيمي لأي طرف فلسطيني بشكلٍ مباشر. وقد دَلّت في مؤشراتها القاطعة بأن الشعب الفلسطيني لن يستكين تحت طبقات اليأس والإحباط، وقد بلغت حالة الاحتقان وحالة التذمر حدوداً عالية في دواخله.
وعليه، وبالرغم من حالة الجمود السياسي، واستمرار الانقسام الداخلي الفلسطيني المؤلم، فنحن أمام وضع فلسطيني يَفور على مرجل الغليان في الداخل، وربما ستتدحرج الأمور باتجاه انتفاضة كبرى ثالثة بوجه الاحتلال، لتقلب الأمور رأساً على عقب كما فعلت الانتفاضتان الأولى نهاية العام 1987 والثانية صيف العام 2000، وهو مايفترض بالجميع في الساحة الفلسطينية إعلاء صوت العقل والمصلحة الوطنية العليا للشعب الفلسطيني، وتجاوز العصبيات التنظيمية والفصائلية، والاستعداد الموحد لمواجهة استحقاقات المرحلة التالية، والتي ربما ستكون قاسية على الفلسطينيين.
copy short url   نسخ
28/05/2016
3159