+ A
A -
على الرغم من أن التعليم في معظم مجتمعاتنا العربية ليس بكتف التعليم الأميركي المتقدم غالبا، والذي ينفق عليه الكثير من الأموال، وأيضا فائض من التكنولوجيا التي تسعى دول عدة في العالم إلى محاكاتها، إلا أن مدارسنا آمنة، وفيها قدر غير قليل من الضبط والربط والاحترام، باستثناء حوادث محدودة، لا تشوب بقلتها الأمان والأمن في مدارسنا.
ومن ثم فقد تعودنا أن نصف المدارس بأنها البيت الثاني لطلابها، ولكن غزارة حوادث إطلاق النار على الطلاب في أميركا «18 حادثا خلال عام واحد فقط» جعل كل المدارس فيها غير آمنة، حتى أن الآباء الأميركيين اضطروا إلى السعي لتحصين أبنائهم الطلاب بسترات وحقائب واقية من الرصاص فضلا عن خوذات تحمي الرأس، فالخوذة والواقي من الرصاص صارت أهم من سندويتشات الصباح، لذا من الطبيعي أن تحزن أميركا لحادث مدرسة فلوريدا، بل ومن الطبيعي أن يؤدي مقتل 17 طالبا في هذا الحادث المأساوي إلى سن تشريعات تقيد حمل السلاح.
لذا كان الرئيس الأميركي ترامب محقا حينما كتب في تغريدة نشرها على صفحته في «تويتر»: «محزن للغاية أن يغفل مكتب التحقيقات الاتحادي عن العديد من الإشارات المرسلة من مطلق النار في مدرسة فلوريدا. هذا أمر غير مقبول، إنهم يقضون الكثير من الوقت في محاولة إثبات التدخل الروسي في الحمله الانتخابية. ليس هناك تدخل. عودوا إلى عملكم الأساسي واجعلونا فخورين».
غير أن تعويق تنامي العنف في المدارس عامة، سواء في أميركا أو غيرها، لا يتطلب فقط إجراءات أمنية صرفة، إذ رغم أهمية هذه الإجراءات، وفي الصدارة منها تقييد حمل الأسلحة، ووضع اشتراطات تمنع وصول الأسلحة إلى أيدي الطلاب المأزومين والمضطربين نفسيا والمجانين والمنحرفين... الخ، أو هؤلاء الذين يقتلون ضحاياهم كما لو أنهم يصطادون عصافير، إلا أن الأهم أيضا تفعيل الخدمة الاجتماعية في المدارس، والتعويل على الأخصائي الاجتماعي في المدرسة في توفير قراءات استشرافية مسبقة للطلاب الذين تتطور فيهم أزماتهم الذاتية والاجتماعية إلى حد نية إطلاق الرصاص على أهداف بريئة، ويراها جنونهم أنها أهداف تستحق الموت.
الخدمة الاجتماعية في المجال المدرسي لها دور كبير لا يجب الاستخفاف به أو أن يقلل أو يحذف لأي سبب من الأسباب، ففضلا عن إنقاذ الأخصائي الاجتماعي طلابا من حريق أسري يشب في نفوسهم، أو من بيئة سوء تحاصرهم وتصيبهم باعوجاج سيكولوجي، فالأخصائي الاجتماعي يكون، في أحيان، كما الأب البديل لمن حرمتهم ظروف أسرهم من أبوة، وعضو لا غنى عنه في البيت الثاني لكل الطلاب، وسوف يتبدى أمامنا أهمية الاعتناء بدور الأخصائي الاجتماعي في المدرسة، إذا ما أخذنا في الاعتبار أن معظم مجتمعاتنا العربية هي مجتمعات ترتفع فيها معدلات الطلاق بكل إفرازاته السالبة والمقيتة، فإذا أصيب البيت الأول بشروخ ورضوض، فعلينا أن نجعل من المدرسة بيتا ثانيا، فيه ولو بعض التعويض للطلاب الذين شاءت أقدارهم أن يكونوا كما لو أنهم في قوارب تسبح بهم في عرض بحار الحياة بأمواجها ورياحها وربما زوابعها العنيفة.

بقلم : حبشي رشدي
copy short url   نسخ
27/02/2018
1613