+ A
A -
أضاف علماء أميركيون سببا إضافيا وجديدا غير مألوف من أسباب العنف والخلل في الصحة العقلية والتحفيز على القتل وارتكاب الجرائم، مثل السلب والنهب وما شابه، وهذا السبب هو استنشاق الهواء الملوث والروائح الكريهة، فالهواء الملوث يدفع إلى اقتراف هذه الجرائم، مما يرفع قيمة العطور والورود والزهور والنباتات بصفة عامة في حياتنا، فالاماكن الطبيعية المزدهرة بالاشجار والنباتات التي تنفث في الهواء اريجها تشحذ فينا التفكير، وتجنبنا العنف، وتحبب فينا السلام والشعور بالأمان
الصين سبقت هذا الاكتشاف الأميركي الذي اماط اللثام عن احد اهم مسببات الجريمة في العصر الحديث وسارعت إلى تشييد أكثر مدينة مشجرة في العالم، وتقوم فكرة هذه المدينة على جعل النباتات تغطي كافة المباني، في خطوة تسعى إلى مواجهة التلوث والهواء غير النقي والاحتباس الحراري الذي يتسبب في تغير المناخ، وستزرع الصين في هذه المدينة الخضراء نحو 40 ألف شجرة، فضلا عن انواع اخرى من النباتات، وسيكون بوسع هذا الكم الهائل من الاشجار والنباتات امتصاص نحو عشرة آلاف طن من ثاني أكسيد الكربون، فضلا عن 57 ألف طن من الملوثات كل سنة، كما تنتج قرابة 900 طن من الأوكسجين.
ويتضح من هذا الكشف الأميركي، وايضا مما سارعت اليه الصين، قيمة الحياة في الريف الجميل، كما يتضح ايضا عذاب العيش في المدن المزدحمة والتي يلوثها عوادم السيارات والباصات، مثلما يفسر لنا ذلك ايضا تفضيل بعض الكتاب والمبدعين والادباء الكتابة في الحدائق الغناء والاماكن المفتوحة مع نسمات الهواء النقي، كما يشرح ذلك ايضا سبب الهجرة العكسية إلى الريف، اذ سنلحظ ان عددا من الفنانين والادباء العرب هجروا المدن واقاموا لانفسهم فللا وبيوتا في اطراف الريف، وذلك قبل ان يتوصل هؤلاء العلماء الأميركيون إلى ما توصلوا اليه.
روائي صديق لاحظته لا يكثر من استخدام العطور الا قبيل ان يشرع في الكتابة، وانه لا يكتب الا بجوار شرفة في منزله تطل على حديقة ملأى باشجار الجوافة والمانجو، وكان يقول لي مازحا ومستغربا قبل اقلاعي عن التدخين: كيف تكتب في مقهى وأنت تدخن، وانه لا خير في هذه «الكتابة المدخنة» التي تتولد فيها الافكار في خضم غلالات دخان الشيشة أو السجائر، وانه لو فعل ما افعله لاصيب بما يسميه: «الانسداد الذهني الكتابي».
ذكرني ذلك بما كان يقوله الروائي صنع الله إبراهيم انه عند بداية كتابة أي رواية جديدة، يستيقظ مبكراً ويشرب النسكافيه، ويعتزل شرب السجائر أثناء الكتابة، كما قرأت ايضا، كم كان البير كامو يكتب واقفا على أن تكون أمامه شرفة مفتوحة لتداعبه نسمات الهواء النقي، بينما كان نزار قبانى يتأنق ويستخدم العطر قبل ان يكتب قصائده، وفي كل هذه الطقوس ما يثبت ان استحضار الافكار يحتاج إلى هواء غير ملوث، أما الذين يعاقرون التلوث فانهم يستحضرون عفاريت الحنق والعنف والجريمة! .

بقلم : حبشي رشدي
copy short url   نسخ
20/02/2018
1681