+ A
A -
طريقُ الشوك تَقودُكَ إليه وردة، إمَّا لأنك لا تَعرف كيف تُثَمِّنُها قبل أن تَطير إلى يَدٍ أخرى غير يَدِكَ، وإما لأنكَ نَسيتَ بأنها وردة وجَرَحْتَها كما لا يَنبغي لعاقل أن يَجرحَ وردةً..
الجروح!
الجروح تَفعَل بِكَ ما تَفعل لسعات العقارب، اللسعةُ بِدَرْسٍ لا يُنْسَى، والحفرياتُ بِعِبَرِ الدهرِ كُلِّه وما يُمَرِّرُه مِن رسائل..
الجرحُ الواحد يُعَلِّمُكَ ألا تَفتَح بابَ قلبِكَ لِطارِق حتى تَسْلمَ من وَقع ضَرْبِ الْمَطارِق، وبالْمِثل تُعَلِّمُكَ لسعةُ العقرب ألاَّ تَثِقَ بدبيب نَمْل وألا تَمدَّ يَدَكَ بعيدا عن مدار بوصلة إحساسِكَ.
بين الأيادي الناعمة كمناديل مُبَلَّلَة بماء الورد، وأيادي الفلاحين الخَشِنَة، ما بين الورد والشوك، وأنتَ الباحث عن عِطر البستان لا تَنْتَظِرْ أن تُسَيِّجَه بسياج من حديد لِتَقْطفَ منه الْمَزِيد..
الوردُ كالعصفور، الورد يَعشق الحريةَ لِيُمَدِّدَ أَذْرُعَه وسيقانه كما يَحْلُو له، فكيف لكَ، كيف لكَ أن تَسجنه وتَعدَّ عليه أنفاسَه؟!
كيف لك أن تَقودَه بعيدا عن اشتهاءاتِ ضَوْعِه؟!
كيف لكَ أن تُبايِعَه على الذبول في موكب يُمَجِّدُ موسمَ القطوف؟!
«سون راها هي نا تو SUN RAHA HAI NA TU» معزوفة ضوءٍ تُرَدِّدُ نَغَمَها شِفاهُ البوح الذائبة بين غَمَّازَتَي روح وجسد: روح أَعْلَنَت العصيان على قانون العَجز، وجسد آثَرَ السقوطَ عند رصيف الرغبة».
الأغنيةُ مدينةُ إحساسٍ تَقودنا إليها خُيول الشوق، وأي خيول؟! إنها تلك التي لم يُفلِح الزمن البائس في أن يلجمَ لسانَ صهيلها، فبالصهيل وَحْدَه يَرسم الْمُحِبُّون خرائطَ العشق.
شرييا غوشال SHREYA GHOSHAL في أغنيتها الرقيقة «سون راها هي نا تو» تُطَوِّقُنا بخيوط إحساسها لِتَحْمِلَنا إلى زمن الورد، زمن الإحساس الجميل حيث يَطِيبُ لقلبٍ أن يُعانِقَ قلبا ويَتَّخِذا من الحُلم أرجوحة، أرجوحة تَرفعهما إلى أقصى درجات الهَذَيان اللذيذ، ثم تَنزل بهما في بحر الوصل..
في بحر الوصل، لن يَنسى القلبان أن يَغوصا أكثر فأكثر لِيَعودا بلؤلؤ المعاني، معاني الحُبّ الأرقّ مِن الرِّقَّة والأرقى مِن الرُّقيّ، بعد أن يُغازِلا محارَ الكلمات.
كلمات ليست كالكلمات تُرَدِّدُها شرييا غوشال بشِفاه الرغبة في عقد المصالحة بين ماضٍ جَمَعَ حقيبتَه وغادَر، وآتٍ نَرى مِن العَدل ألا نَقول إنه مُصادَر..:
«كُلّ الأماكن حزينة،
لقد أَضَعْتُ الطريقَ،
لَعَلَّك تَأتي وتَأخذني،
هذا كل ما أَطلب منك،
وهذا ما يجب أن يَكون خلاصي،
أنت أملي،
اِمْنَحْنِي الإرادةَ،
اِمنحني الوعدَ والقَسَم
اِمنحني الدعمَ في دعائي، في صلاتي،
اِمنحْ قلبي حياةً،
اِمنحْني أسبابا جديدة للحياة،
دَعْ موسمي يُمطِر أحلاما،
اُنْظُرْ إليَّ
أَرِنِي هذا الطريق،
أنت تَسمعني، أليس كذلك؟!
إنني أَبكي،
أنت تَسمعني، أليس كذلك؟!
أَتَعْلَم لماذا أنا أبكي؟!
الزمن يتوقف،
كيف حَدَثَ هذا؟!
ولماذا؟!
لعلك تَأتي،
وتأخذني بعيداً،
كالدعاء،
أنت سَلامُ روحي، راحةُ روحي
أنت صلاتي» [شرييا غوشال، SUN RAHA HAI NA TU].
هذا هو الآتي الذي قد يَأتي وقد لا يَأتي، تُصَوِّرُه لنا أوتار شرييا غوشال، هذه شرييا حاصدة الجوائز التي تُحَلِّق كالفَراشة من نجاح إلى نجاح، لِنُسَمِّها فَراشةَ الإحساس الْمُرْهَف التي تَحطّ على كَتِف الْحالمين بموسم الربيع فتُدَغْدِغ مشاعرَهم الأَمَّارة باشتعال..
شرييا هذه ليست سوى العصفورة الشقية بقوة تأثيرها عليكَ وهي تُسافر في عالَم النَّغَم إلى جزيرة قلبكَ المهجورة في عيون مَن لا يُثَمِّنون سِوى الحُبّ، ولذلك تَجِدُ أنتَ مِن اليسير أن تُصيبَكَ أوتار شرييا بأنفلوانزا الْحُبّ.
دعاء، صلوات، شوق، هجر، بكاء في غياب الانعتاق، أقدار واختيار، اختيار مُرّ تُجْبَرُ عليه مُغْمَضَ العينين وأنتَ تَقِفُ بين يَدي هذا الآتي العصيّ عن الانقياد لغير سطوة الزمن المتعجرِف..
بَيْنَ الحاضر والمستقبل خطوة، خطوة بِعُمْرِ الانتظار.. وبين جحيمك وجنتك مَسافَةُ أقدار، أقدار تُسلِّمُ لها رقبتَكَ على مدار التجربة الْمُرَّة وأنتَ تَترقب إذا كانت ستَترفق بكَ إن لم تَأْمُرْ هي بِزَجّ عُنقِكَ..
الحزن بحر، والطريق لا شمس تَقود إليه، وأنتَ، أنتَ يا مَن تَتوق النفس إلى مُجاراة ظلِّكَ مِن أين لي أن أُمَنِّيَ الروحَ بِرِيحكَ؟!
الأغنيةُ تَسبح بإحساس شرييا غوشال في مُحيط المناجاة، وأيّ مناجاة؟! إنها تلك التي لا نَدري إن كانت مُوَجَّهةً إلى إله الربيع الحالمة به الروحُ، أَمْ إلى قِدِّيس صغير يُطيِّب الجروح، أم إلى قَدَر رحيمٍ يُمَرِّنُنا مجدَّدا على رقصة الفَرَح.
بِدُونِكَ لن يَزهُوَ أوانُ الفَرَح، فهَلاَّ أَتَيْتَ، هَلاَّ أَخَذْتَني بعيدا عَنِّي، بعيدا عن نفسي الْمُمَزَّقة بين دفَّتَي كتابٍ أضاعَتْ أوراقُه الطريقَ إليه؟!
فَهلاَّ أتيتَ لتَأخذني بعيدا أَبْعَد مِن نفسي إلى نفسي؟!
بِلِسان أغنية شرييا دائما نَتحدث عن طائر الوقت الآتي، طائر الوقت المحمَّل برسائل اللوم والعتاب في غير زمن المصالحة مع الحُبّ، أو لِنُسَمِّه السلام الأبدي غير القابل لرفض شريعة الصمود..
عندما يَرحل الأمل غاضبا منك، ما عليك إلا أن تُعَجِّلَ بطلب سفينة الخلاص، الخلاص الذي هو وحده سيَردّ الاعتبارَ للسلام الروحي الغائب عن حسابات قلبكَ التَّوَّاق إلى شمعة تُجَدِّدُ عهدَه بالنور..
فأين الخَلاص الذي سيَمنح القلبَ حياةً ثانية؟!
وأين هو موسم الأحلام التي ستَتَصَبَّب مطراً؟!
وأين هو الطريق الذي سيَرفَع القُبَّعَةَ لعينين شاردتين بعيدا عن أُفُقِ السلام؟!
كُلُّ ما يَنقص مَعْبَدَ الحياة هو أسباب فقط، أسباب جديدة تُعيد إليه بصيصَ الضوء، الضوء ذاكَ كافٍ ليَدلَّكَ على بئر الحزن السحيقة التي تَهْوي فيها إشراقةُ العيون التي كانت.
إلى متى تَبكي يا عُودَ الروح وَتَرا وترا؟!
وإلى متى تَظَلِّينَ تَنتفضين يا قيثارةَ الجسد؟!
ليلُ الألم الضارِب في الحضور يَطولُ، والأملُ قمرٌ هاربٌ لا تُجْدِي أمامَه تَوَسُّلاتُ النجوم وبُكاؤها، وعيونُ سماء الحُلم بالتغيير يُرهِقُها غيابُ الفرصة في الفوز بموعد مع لحظة الانتصار على الواقع..
بين ضِفَّتَي الألم والأمل يَجْرِي نهرُ الدموع، فلماذا يَفيضُ النهرُ وفيكَ أنتَ يا هذا الآتي روحي وراحتي وريحان ربيعي الذي لم أُجَرِّبْ عباءتَه الخضراء؟!
إِنَّنِي أَبْكِي [تَقول شرييا]، ذَيْلُ البكاء يَجلدني، فمتى يا هذا الآتي تَتوقف عند زمني، زمني هذا الذي لم تَعُدْ ذِرَاعايَ قادرتين على دَفْعِه إلى الأمام؟!
إنني أَبكي.. فهل لكَ أن تَكون المنديلَ الذي سَيُجَفِّفُ مَطَرَ الوقتِ الرافِض لِمُرورِه ومُروري؟!
مع كُلّ شمعةٍ تَنطفئ، تَشتعلُ رغبةٌ..
مع كُلّ ثانيةٍ تَمضي، يَعودُ أمَلٌ..
مع كُلّ نَفَسٍ يَنامُ، يَستيقظُ حُلمٌ..
ومع كُلّ ربيعٍ آتٍ، يُولَدُ وَردٌ.
بقلم :د.سعاد درير
copy short url   نسخ
19/02/2018
3764