+ A
A -
في 2014 قاد الجيش التايلاندي انقلاباً عسكرياً ضد الحكومة المدنية المنتخبة.. وكان أحد المبررات وقتذاك استعادة الهدوء بعد أشهر من الصدامات بين تياري ذوي القمصان الحمراء المؤيد لرئيس الوزراء الأسبق «شيناواترا» المطاح به في انقلاب 2006 العسكري بسبب فساده وعدم إخلاصه للملكية، وذوي القمصان الصفراء المعادين لشيناواترا والمؤيدين للبلاط الملكي.. أما المبرر الثاني فقد كان القضاء على الفساد والإفساد في دوائر السلطة والحياة السياسية.
وقتها وعد الجنرالات بإعادة الحكم للمدنيين في غضون عام واحد بعد استكمال بعض الإصلاحات الكفيلة بفرض هيبة القانون.
نجح جنرالات الجيش مذاك في إعادة الأمن للبلاد وفرض القانون بالقوة. لكنهم فشلوا في القضاء على الفساد والتخلي عن السلطة وإعادتها إلى المدنيين.. إذ ظلوا يؤجلون الانتخابات عاماً بعد عام بحجة عدم استكمال الإصلاحات التي وعدوا بها، الأمر الذي تآكلت معه شرعيتهم الضعيفة أصلاً وخلقت تذمراً مضاعفاً في أوساط العامة.
مع مطلع فبراير الجاري عادت مسألة الفساد تطل برأسها من جديد وتشعل مواقع التواصل الاجتماعي التايلاندية، مذكرة الجماهير بأن فساد الجنرالات الحاكمين حالياً لا يقل عن فساد الساسة المدنيين، وأن شرعيتهم باتت محل سؤال أكثر من أي وقت مضى.
وحكاية هذا التطور تتلخص في أن نائب رئيس الحكومة الجنرال «براويت وونجسوان»، أراد أن يحجب أشعة الشمس عن وجهه بيده خلال التقاط صورة جماعية مع زملائه من أعضاء المجلس العسكري الحاكم، فتبين بعد تدقيق أحد الصحفيين في الصورة الملتقطة أن المسؤول التايلاندي الرفيع يضع في معصمه ساعة ثمينة لا تقل قيمتها عن 80 ألف دولار، ويضع في أصبعه خاتماً ثميناً من الألماس الحر. وبطبيعة الحال انتشر الخبر كالنار في الهشيم بين التايلانديين المتذمرين أصلاً من الجنرالات الذين يحكمونهم منذ 2014 دون الوفاء بوعودهم.
والحال أن ساعة وخاتم الجنرال أشعلت الساحة المحلية باحتجاجات وصلت صداها إلى خارج الحدود، واضعة حكومة العسكر في موقع حرج داخلياً، حيث راح كارهو العسكر يبحثون وينقبون وراء الجنرال ليكتشف أحدهم أن الجنرال مولع باقتناء الأفخر والأثمن من الساعات والمجوهرات، وأنه يمتلك منها 25 ساعة تزيد قيمته على 1.25 مليون دولار، ومن ضمنها ساعات لا تـٌصنع إلا بأعداد محدودة وبناء على طلبات خاصة.. ولعل الأمر الذي تسبب في غضب التايلانديين أكثر هو أن الجنرال لم يعلن عن أي من هذه الساعات الثمينة في إقرار الذمة المالية، ناهيك عن أن العسكر هم أنفسهم من أسس ما يسمى بـ«وكالة مكافحة الفساد»، بل من اقترح أيضاً تطبيق عقوبة الإعدام على المسؤولين الذين تثبت ضدهم حالات الفساد، وذلك من باب امتصاص غضب المحتجين.
أراد الجنرال دفع تهم الفساد عن نفسه فقال إن ساعاته يستعيرها من أصدقائه وأن الخاتم الماسي يخص أمه.. أما المتحدث باسم «وكالة مكافحة الفساد» فقد قال ما معناه أنه ليس غريباً أن يستعير الأصدقاء من بعضهم البعض أشياء يرتدونها، فبدأ كما لو أنه صوت لسيده.
هذا التصريح استفز صامتين كثر وجعلهم يدلون بدلوهم مما زاد الساحة اشتعالاً.. فعلى سبيل المثال رد أحد الناشطين ضد الفساد على تصريحات المتحدث الرسمي آنف الذكر متسائلاً بسخرية: «هذه الساعات تصنع منها نسخاً محدودة، فكيف يمكنكم إقناعنا بأن حجم معصم الجنرال هو نفس حجم معصم أصدقائه الذين يستعير منهم على حد زعمه؟».
المراقبون يرون أن المجلس العسكري الحاكم في بانكوك يعيش في ورطة اليوم.. فإن عاقب جنرال الساعات بالإقالة، فإنه يدين نفسه.. وإن لم يعاقبه فإنه سيبدو موافقاً على فساد أحد رموزه.. وفي الحالتين سيشكو من انعدام الثقة فيه.
بقلم : د. عبدالله المدني
copy short url   نسخ
18/02/2018
2184