+ A
A -
لم يكن أنيس منصور يعترف بأنه وصل إلى مرحلة الشيخوخة على الرغم من أنه يتجاوز 85 عاماً، وساعده على ذلك أنه ظل محتفظاً بذاكرته وبقدرته على الكتابة، وكان مشهوراً بأنه حين يحكى عن ذكرياته أو عن مواقف عاشها أو كتب قرأها فإنه يذكر التفاصيل، وكان يعلل يسر احتفاظه بذاكرته سليمة أنه ميال للمرح ومحب للسفر والتنقل وحريص على رياضة المشي كل يوم، ويؤكد أن الإيمان بالله يجعل الإنسان محتفظاً بقدراته ويعزز رؤيته، يقول الفيلسوف الألماني «كانط» إن أعظم شيء في هذه الدنيا منظر النجوم في السماء فهو مظهر من مظاهر عظمة الله، والضمير هو صوت الله في الإنسان».
وكان يستشهد بالعقاد ليؤكد أن قدرة الله تتجلى في كل شيء ابتداء من قطرة الماء إلى السماء والكرة الأرضية، وكل خلية في جسم الإنسان لها برنامج، ولذلك نرى خلايا العين والأذن والأنف وغيرها من أعضاء الإنسان تؤدي وظيفتها وفقا لبرنامج، ومما يثير العجب أن نجد الحيوان المنوي يحتفظ بآلاف الملايين من الخلايا المبرمجة، وهذه بعض شواهد على عظمة الله. وهكذا كان الإيمان نقطة تحول عند أنيس منصور بعد أن عاش فترة من شبابه متحمساً للفلسفة الوجودية، وبعدها انصرف عن الفلسفة وتفرغ لدراسة علوم النبات والفلك وعلم النفس وما وراء الحياة الإنسانية أي الحياة الروحية، وبالإيمان امتلأت نفسه بالشعور بالطمأنينة ورأى أنه اغتسل وولد من جديد يوم تفتح وعيه على عظمة الله المطلقة، والإنسان بعقله المحدود لا يستطيع أن يحيط بكل جوانب عظمة الله، فهذا شيء أكبر من العقول، فلا يستطيع الإنسان أن يقيس السماء بالشبر، وكلما تبحر الإنسان في العلم واستغرق في البحث فسوف يدرك معنى قوله تعالى «وَمَا أُوتِيتُم مِّنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا ».
وفي تعبيره عن الحقيقة التي توصل إليها عن عظمة الله يقول: «إن عقلي في حجم كفي!، وأنا لا أستطيع أن أضع الكون في كفي، ولا أن أحشر كل المعاني والكلمات في فمي، فأنا كإنسان قصير جدا بالنسبة لعمر الكون، وأنا ذاهب وكل شيء باق، والكون لابد أن له أول، ومن الذي أوجد الكون؟ وكيف يدق قلبي دون إرادة منى؟ وكل ما حولي ليس من صنع البشر، وهذا يقود حتماً إلى اليقين في وجود إرادة ليس كمثلها شيء، وقوة وعلم وقدرة ليس لهم مثيل، هذا هو الله خالق كل شيء الذي أمره إذا أراد شيئاً أن يقول له كن فيكون».
لقد ترك أنيس منصور200 كتاب ونشرت عنه 16 رسالة جامعية وكتاباً عن فكره وفلسفته، منها رسالة دكتوراه من جامعة سيدني عن الفكر السياسي لأنيس منصور، ورسالة دكتوراه من جامعة بغداد عن العبارة الجميلة والسريعة في أدبه، ورسالة كتوراه باللغة العبرية عن كتاب «البقية في حياتي» ودراسة عن القصة الفلسفية عند أنيس منصور باللغة الألمانية للدكتور إرنست يونج، ودراسة باللغة الإيطالية ودراسة عن أدب أنيس منصور باللغة الألمانية للدكتور أرنولد أوتمايسر.
إن أنيس منصور ينطبق عليه قول شكسبير إن بعض الناس يبني عظمته بيديه والبعض تأتي إليه العظمة من حيث لا يحتسب، ولكن العظمة الحقيقية للإنسان فيما يقدمه ما ينفع الناس.. وأنيس منصور قدم الكثير مما ينفع الناس.

بقلم : رجب البنا
copy short url   نسخ
17/02/2018
3020