+ A
A -
وأخيراً كُشف عن السر الأخير، أو عن آخر سرّ من أسرار الحرب العالمية الثانية. ويتناول هذا السر، الصراع على اليورانيوم لصناعة القنابل النووية، أولاً بين الولايات المتحدة وألمانيا النازية، ثم بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي.
كانت الكونغو هي مسرح هذا الصراع من دون أن تكون لها أي مصلحة أو علاقة مع أي من الأطراف المتصارعة. بل أن الكونغو لم تكن تعلم ما هو اليورانيوم وانها محور صراع دولي.. لأنها تملك مخزوناً ضخماً من هذه المادة المجهولة!.
ما كان بالإمكان إنتاج قنبلة نووية من دون هذه المادة النادرة. ولما اكتشف الأميركيون انها موجودة بكميات كبيرة في الكونغو، وان هذه الدولة هي الأغنى في العالم بهذه المادة النادرة، أرادوا احتكار مناجمها بأي ثمن.. لمنع وصول اليورانيوم إلى الألمان.
نجح الأميركيون في احتكار اليورانيوم الذي اكتشف في مقاطعة كاتنغا في الجنوب الشرقي. وشحنوا كميات كبيرة منه إلى صحراء نيفادا حيث أقاموا هناك مؤسساتهم لصناعة القنبلة النووية (مشروع مانهاتن). ولولا اليورانيوم الذي نُقل من كاتنغا في الكونغو إلى الولايات المتحدة، لما قصفت مدينتا هيروشيما وناجازاكي بالقنابل النووية.
لم يكن الدبلوماسيون الأميركيون في الكونغو يعرفون شيئاً عن سرّ هذه المادة في ذلك الوقت. وكانوا يتساءلون عن سبب اهتمام حكومتهم بها، وعن سبب فرض السرية المطلقة على عمليات استخراجها وشحنها. ولقد أصيب الكثيرون من عمال المناجم الأفارقة بالإشعاعات القاتلة، وماتوا مشوهين هم وعائلاتهم، من دون أن يعرف أحد منهم السبب.. وحدها الإدارة الأميركية برئاسة فرانكلين روزفلت كانت تعرف كل شيء. أما الجهاز الصغير جداً من المساعدين السريين فشكلوا فيما بعد النواة الأولى لجهاز المخابرات (سي.آي.إيه).
لم يعرف الألمان بوجود اليورانيوم في الكونغو. ولم يعرفوا أن الولايات المتحدة تستخرجه من هناك. ولذلك لم يتمكنوا من صناعة قنبلة نووية. ولعل ذلك كان من حسن حظ الانسانية.
وبعد انتهاء الحرب العالمية الثانية بقصف هيروشيما وناجازاكي، بدأ الصراع الأميركي – السوفياتي ليشعل فتيل الحرب الباردة. أجرى السوفيات أول تجربة نووية في عام 1949، ولذلك كان همّ واشنطن إقفال الطريق إلى مناجم اليورانيوم في الكونغو في وجه الكرملين حتى لا يتمكن من إنتاج ترسانة نووية. إلا أن السوفيات عرفوا بقصة الكونغو. وهكذا انفجرت سلسلة الحروب الداخلية في هذه الدولة الإفريقية بين محوري موسكو وواشنطن وتحولت ثروتها من مادة اليورانيوم النادرة إلى مأساة أودت بحياة الملايين من شعبها الذين سقطوا على مذبح صراع دامٍ بين أطراف دولية لا ناقة لهم فيه ولا جمل.
وتركز الصراع تحديداً على إقليم كاتنغا، الذي عرف أول عملية انفصالية جسدت الصراع السوفياتي – الأميركي في حينه. فقد تحالفت الولايات المتحدة مع بلجيكا التي كانت تحتل الكونغو ودعمتها سياسياً وعسكرياً حتى تتمكن من سد كل المنافذ الجانبية التي يمكن أن يتسلل منها السوفيات إلى مناجم اليورانيوم.
وبعد أن حصلت الكونغو على الاستقلال في عام 1960، اتخذ الصراع فيها وعليها أبعاداً اشد عنفاً وأكثر دموية. ولا تزال الكونغو حتى اليوم تعاني من تداعيات تلك الفترة التي وجدت فيها نفسها بين فكي كماشة صراع أميركي – سوفياتي لم يتوقف الا بعد أن تحولت الدولة الأغنى في إفريقيا إلى الدولة الاشد فقراً والأكثر تدميراً وبؤساً.
فقد صنعت كل من واشنطن وموسكو «رموزاً» قيادية تحت شعارات الديمقراطية من هنا، والتقدمية اليسارية من هناك. وهي شعارات لم يعرف الشعب الكونغولي ترجمة لها.. ولا معنى، كل ما يدركه الآن، هو انه خسر ثروة طبيعية هامة.. وخسر وحدة الدولة التي تمزقت شر ممزق!
وكما أن التفوق النووي الأميركي قام على اليورانيوم الإفريقي – الكونغولي، كذلك فان النهضة الصناعية الأوروبية قامت على المواد الخام التي كانت تشحنها من الدول الإفريقية دون حسيب أو رقيب: من الحديد والقصدير.. إلى المطاط والخشب.. وأخيراً النفط!
وقبل هذه وتلك، قامت الثورة الزراعية الأميركية على تجارة الأفارقة الذين كانوا يُصادرون من قراهم وتجمعاتهم البشرية في إفريقيا.. ويُشحنون كالأغنام عبر الأطلسي للعمل في مزارع القطن والقمح والذرة.. وهي المأساة التي لم تنته فصولها حتى اليوم!!..
بقلم : محمد السماك
copy short url   نسخ
15/02/2018
4874