+ A
A -
في زَمَنٍ كانَ يَعبقُ بالوَرد والنسيم، سَأَلَ الشابُّ الشَّيْخَ الحَكيم: ما سِرُّ الحُبّ؟! تَأَمَّلَ الشيخُ الشابَّ الوسيم، وقال له بِيَقينِ العَليم: «اِذْهَبْ إلى الربوة، وابْحَثْ لي عن أَجْمَل وردة، وسَأَنْتَظِرُ عَوْدَتَكَ..
اِبْتَسَمَ الشاب وهو يُمَنِّي نَفْسَه بأن يَقطفَ وردةً حلوة تُرْضي رغبتَه في تَلْبِية طلب الشيخ، لِيَقبضَ على السِّرِّ، اِنْطَلَقَ إلى الربوة يَسبقه حماسُه، تَسَلَّلَ إلى رياض الورد، تَأَمَّلَ الوردةَ الأولى، فالثانية، ثم الثالثة.. فجأةً أَشْرَقَ مُحَيَّاهُ بابتسامةِ الانتصار ما أن لَمَحَ وردةً تسحر العيون، فقالَ: هِيَ هَذِه..
دَنَا الشابُّ مِن وردته الفاتنة، وامْتَدَّتْ إليها أصابع يَدِه تَتَصَبَّبُ رغبةً في نَيْلِها، لكن سرعان ما تَرَدَّدَ وعَقْلُه يُصَوِّرُ له أنه سَيَحْظَى بالأجمل والأبهى، تَرَكَ الوردةَ جانبا، خَطَا خطواتٍ إلى الأمام وهو يُحَدِّثُ نَفْسَه بِما سَيَجِدُ في انتظاره مِن جَمال فتَّان لا تَقْوَى على مُقاوَمَتِه عَيْنُ إنسان..
القَدَمَان تَمْضِيَان، والخطوة تَجرُّ الخطوة، فإذا باللهفة المسجونة تَتَوَاطَأُ مع الرغبة المجنونة ضِدّ أُمْنِية يَعزّ أن تَتَحَقَّقَ. ذَيْلُ الزَّمَن الغَضْبَان يَجْلِدُ طُمُوحَ الإنسان، ويَقف في وجه رَغْبَتِه الشَّقِية.. هكذا يَخيب الشابُّ في أن يَنحني لِجَمالٍ يُضاهي وردتَه التي زَهدَ فيها طَمَعاً في الأحلى والأغلى في مِيزان عَيْنَيْه..
مَضَى أكثر النهار، لا جَدْوَى مِن الانتظار.. هكذا ما كان مِنَ الشابّ إِلاَّ أن يُهَرْوِلَ عائدا إلى وَرْدَتِه التي لم يُثَمِّنْها كَمَا تَسْتَحِقُّ.. وما أن وَصلَ لِتُعانقَها أصابعه بِلَهْفَةِ الْمَسْحُور بِها حَتَّى تَأَجَّلَ مَوْعِدُ العِناق، لماذا؟! لأنَّ الوردةَ غادَرَتْ، لَمْ يَجِدْهَا..
الشابُّ يَقصدُ قُبَّةَ الشيخِ الحكيم خَائبَ الرَّجاء، يَقف بين يديه، فَيَتَداخَل عنده الحَرَجُ والخَجَل وهُوَ يُخبِره بالقصة..
ما كان مِن الشيخ إلا أن قال للشابّ: هذا هُوَ الحُبّ، عندما يَكون بين يديكَ تَتركه ولا تُثَمِّنُه، وعندما تَفْقِدُه تراك تَعْرِفُ قيمتَه الحقيقية، فَتَهِيمُ على وَجْهِكَ باحثا عنه..
دَرْسٌ قَيِّمٌ تَعَلَّمَه الشابُّ بعد تَجربةٍ قَاسِية وحِيرةٍ مَرِيرَةٍ، فماذا عَنْكَ أنتَ؟! هل أنتَ ثَمَّنْتَ وَرْدَكَ؟! أَمْ تراك تَتْرُكُهُ يَذْبُل وَأَنْتَ تَسْقِيه العَذاب، وتَركُضُ وَاهِماً خَلْفَ السَّراب..
أَنْتَ الذي تُنَقِّبُ في مُسْتَنْقَع «تَاء التأنيث» عَن حَسناء، لَنْ تَجِدَ إلاَّ وَحْشاً في صُورَةِ امرأة، لَنْ تَجِدَ في برِكةِ «نُون النِّسوة» الآسِنَة سِوَى مُسوخِ نِساء كَثير عليهن أن يُصنَّفْنَ إِنَاثا..
الجوهرةُ الثمينةُ تَسجنُها في بيتكَ، وتُضيع الطريقَ إلى قلبِها، فَلاَ تَعثرُ عليه إلاَّ بَعد أن تَزهدَ هِيَ فيكَ. المرأةُ «الحُرَّة» لا تَقبلُ أن تَتركَها على رَفِّ خِزانةِ حياتِكَ إلى أَجَل غَير مُسَمَّى..
كُلَّمَا طالَ غِيابُكَ عن زَوجتِكَ فَسدَتْ مَحَبَّتُها لَكَ. لا المرأة/ ولا الْمَحَبَّة/ «سَمن» لِتَصمدَ في وجه النِّسيان بِقَدْرِ ما تُقْبَرُ في ثَلاَّجَةِ الأيام، أو بِقَدْرِ ما تُعَلَّقُ على بابِ مَنْفَى هَجْرِكَ لَها..
نافِذَةُ الرُّوح:
«بالحُبّ نُطْفِئُ الحَرْب».
«حُروف مِن نار يَليق بـرَبَّةِ الضوء أن تُدَوِّنَ بِها في مَعْبَد العَين اعترافاتِ قِدِّيس صغير: إلى رُوحي الثانية التي أَحْيَتْ وتُحيِي رُوحِي الأولى».
«هل مِنَ الحكمة أن يَتجاهَلَ قاربُ القَلْبِ الْمُعَذَّبِ بِصَمْتِه أمواجَ بَحْرِ العواطف؟!».
«بَيْنَ الرحيل والعودة رَغْبَةٌ في الانعتاق سِوَى مِن حِبال الحَنين التي تَنْأَى بي لِتَقُودَنِي إليكَ».
«أَمَا آنَ لِمَدينةِ القَلْبِ العائمةِ في بَحْرِ القَسوةِ أَنْ تَنْتَفِضَ وتَنْحَني لِمَنْ يُفْرِغُ البَحْرَ؟!».
«اَلْقَسْوَةُ لا تُسَمَّى قَسْوَةً إِذَا تَرَبَّتْ في عُيون لا تَعْنِي لَنا شيئاً».
«أَيُّهَا الثائِر في أَعْماقي، لَنْ أَسْمَحَ لِعَاصِفَتِكَ بِأَنْ تَرْحَلَ، وَسَأُوصِي رِمالي بِمَزِيد مِنَ الصُّمود».
بقلم :د. سعاد درير
copy short url   نسخ
15/02/2018
3237