+ A
A -
كان أنيس منصور لا يكتب إلا على نوع واحد من الورق ولا يكتب إلا بالحبر الأسود بينما كان العقاد لا يكتب إلا بالحبر الأحمر، وكان توفيق الحكيم يكتب بالقلم الرصاص، أما أمير الشعراء أحمد شوقي فكان يكتب على أي شيء يجده أمامه حتى أنه كتب أبياتاً من الشعر حضرته فجأة على علبة سجائر، وهكذا إذا زاره شيطان الشعر فإنه يسارع إلى الكتابة. وأغرب الكتاب كان الفيلسوف الدكتور عبدالرحمن بدوي، فكان خطه أقرب إلى حروف الطباعة دون أن يشطب كلمة واحدة. وكذلك كان نجيب محفوظ يكتب بخط دقيق وجميل على ورق مسطر.
كل كاتب له طقوس معينة في الكتابة تكتسب صفة العادة، أنيس منصور كان يكتب بسرعة ولذلك لا تتخذ الحروف شكلها الكامل ولا يضع النقط فوقها أو تحتها ولذلك لم يكن أحد يستطيع قراءة ما يكتبه إلا عامل واحد في «الأهرام» وكان يشطب كلمات ويغيرها بكلمات أخرى فوقها، ويكتب المقال مرة وحدة أحيانا، وأحيانا يكتب مقالين أو ثلاثة في جلسة واحدة، وأحيانا أخرى يكتب ثم يمزق ما كتبه ويقول: أحيانا تكون الكتابة سهلة ويجرى القلم وأنا وراءه، وأحيانا تكون الكتابة صعبة وتكون البداية هي الأصعب وتكون النهاية أشد صعوبة، ويقول: أنا تخصصت في الفلسفة وكنت مدرساً في الجامعة وكنت حريصاً على أن أجعل القضايا الفلسفية سهلة يفهمها الطلبة فكنت أستعين على ذلك بالحكايات والنوادر والنكت والشعر والأغاني من أجل توضيح الأفكار.
يتساءل أنيس منصور: ما الذي يجعله يكتب؟ ويجيب: إنها رغبة قوية لا يعرف لها سبباً، فهو يريد أن يقول للآخرين شيئاً وهو لا يملك أن يسكت ومع ذلك فهو لا يرضى عما يكتبه ويقول إنه إذا قرأ ما يكتبه فإنه يضيق به ويتمنى أن يعيد كتابته بشكل مختلف. وكان أعجب خبر أدهش أنيس منصور في أيامه الأخيرة أن سجناء معتقل جوانتانامو طلبوا بعض كتبه مع المؤلفات الكاملة لنجيب محفوظ وطه حسين وجبران خليل جبران وتوفيق الحكيم وإحسان عبدالقدوس ويوسف إدريس، كما طلبوا شرائط للقرآن الكريم وطلبوا أيضا موسوعة عظماء الحضارة الإسلامية، والأكثر غرابة أنهم طلبوا قصص الساحر الصغير هاري بوتر، وطلبوا أخيرا ألف ليلة وليلة، وحين قرأ أنيس منصور طلب القلم والورق ليكتب تعليقاً على هذا الخبر لكنه كان قد وصل إلى مرحلة لا يستطيع فيها الكتابة.
كان أنيس منصور يتساءل دائماً: ما النجاح؟
وأخيراً توصل إلى إجابة ملخصها: إن النجاح أن تبذل جهداً أكثر من اللازم ثم تمضي بعد ذلك، وأن تصنع شيئاً له قيمة، والناجح هو الذي يعمل بالنصائح التي يقولها للناس، فالكفاح يدفع الإنسان إلى أعلى، والصبر يجعله يبقى هناك طويلاً، والنجاح في الزواج مثلاً ليس اختيار الشخص المناسب فقط، بل أن تكون أنت الشخص المناسب، وليس أصعب من ضبط النفس في زمن النجاح، وليس الرأس هو مصدر النجاح اعتماداً على الخط وحده، لأن النجاح وإن كان حلواً فإن الطريق إليه شديد المرارة، ولم يصعد أحد سلم النجاح بدون جهد كبير وصبر أكبر، وإذا نظرت إلى الأمس بلا ندم وإلى الغد بلا خوف فهذا هو النجاح.
وبهذه «الوصفة» حقق أنيس منصور النجاح.

بقلم : رجب البنا
copy short url   نسخ
10/02/2018
3632