+ A
A -
لقد أصبح الخطاب السياسي والإعلامي العالمي منذ أحداث الحادي عشر من سبتمبر يتمحور حول سُبّة (الإرهاب)، وتركز استعمال هذه الكلمة حتى انحصر أو كاد ينحصر في الإسلام، وهكذا أصبحنا وكأننا نشهد تجسيدًا جديدًا لمقولة المفكر الاستراتيجي الأميركي صامويل هنتنجتون المعروفة بـ (صِدَام الحضارات)؛ التي أُسند فيها للإسلام دور العدو بالنسبة للغرب، حيثُ وُضِع في الموقع الذي كانت تحتله الشيوعية خلال النصف الثاني من القرن العشرين مع كل ما يستوجبه وجود هذا العدو الجديد من مواجهة شاملة، بدءًا من تحوير المناهج التعليمية، ووصولًا إلى التهديد والحصار وإعلان الحرب.
وإذا كان العدو الجديد ضروريًا بالنسبة للولايات المتحدة؛ حتى تحافظ على قواها الداخلية في حالة تحفُّز دائم، وتضمن استمرار نفوذها وهيمنتها على العالم، ومن ثَمّ يمكنها استغلال ثروات الشعوب الأخرى، فإنَّ هذا العدو لا يُمثل في حقيقته ما كان عليه العدو التقليدي القديم (الشيوعية) خلال فترة الحرب الباردة، فإنهما يختلفان على أكثر من صعيد. فإذا كان للشيوعية قُطب يتولى التخطيط والتفاوض والتنظيم، وتدور حوله منظومة من الدول والحركات الفاعلة في الأوساط المثقفة والأوساط العمالية في أقاليم كثيرة من العالم، فإن الإسلام بخلاف ذلك؛ إذ إنَّه لا يتوافر على مثل ذلك القطب، بل هو مجموعة من الدول التي تخضع بدرجة أو بأخرى لقوى خارجية، أو تربطها على الأقل معها مصالح أكيدة لا يمكن التحول عنها ولا الفكاك منها.
قارئي العزيز، بعد سنوات طويلة مضت على نظرية صدام الحضارات، وعلى فاجعة 11 سبتمبر، نتساءل جميعًا: من هو المسؤول الحقيقي عن الإساءات التي يخلفها تنظيم داعش الذي يسيطر على أنحاء واسعة من سوريا والعراق، في حق الإسلام أولاً وفي حق الإنسانية ثانيًا؟ ومنذ متى يتحالف شُرذمات من البشر بهدف وضع النظم وتحقيق الحق الضائع وتصويب الخير لمساره! رغم أنَّ كل هذه المجموعات البشرية تكون قد ملئت أفواهها بأموال العم سام لهدف استراتيجي قريب المدى تماما كالمليشيات الشيعية في العراق التي دهورت حال الأخيرة، وكمثل جماعات الثورة التي دعمتها أميركا للإطاحة بالحكم البهلوي في فارس، وغيرها من أمثال القاعدة في سراييفو وأفغانستان، فكلها هدف بدعم مباشر من سام وأمام مرأى ودراية الجميع إلى مزيد من الاستعمار الأميركي في حلته الجديدة. وبالرغم من هذا كله فإنَّ تنظيم داعش ارتبط اسمه بالإسلام وبطريقة أو بأخرى أصبح (الثيم) الذي يروجه داعش في تعاملاته اللاإنسانية الإرهابية شكلاً جديداً من أشكال الصورة الذهنية الخاطئة المرَّوجة عنا كمسلمين.
عزيزي القارئ، لقد أثار هذا التنظيم (الإرهابي) جدلاً طويلاً منذ ظهوره في سوريا، حول نشأته، ممارساته، أهدافه وارتباطاته، الأمر الذي جعله محور حديث الصحف والإعلام. وما بين التحاليل والتقارير، ضاعت هوية هذا التنظيم المتطرف وضاعت أهدافه وارتباطاته بسبب تضارب المعلومات حوله، فهناك فئة تنظر إليه كأحد فروع القاعدة في سوريا، وفئة أخرى تراه تنظيم مستقل يسعى لإقامة دولة إسلامية، وفئة ثالثة تراه صنيع النظام السوري للفتك بالمعارضة وفصائلها. وبين هذا وتلك وذاك، أعود إلى فكرة الإسلام وارتباطه الذهني السالب مع داعش، تلك الجماعة التكفيرية التي لا تمت لديننا دين السلام بشيء.
وبحسب التقارير المنشورة، فإن داعش تنتشر اليوم على امتداد قوس كبير في الشمال السوري، يبدأ من الحدود العراقية السورية ويمرّ في دير الزور والرقة التي باتت تسيطر عليها بشكل كامل، وصولًا إلى جرابلس ومنبج والباب وإعزاز شمال حلب، إضافةً إلى شمالي إدلب قرب الحدود التركية، وتسعى دائماً للتوسع في نفوذها عبر قضم مستمر للمناطق المحيطة بالأراضي التي تسيطر عليها، وما تلبث أن تعلنها تابعة للدولة الإسلامية. فما هي هذه الدولة وكيف تتم إدارتها؟ كيف يعيش المواطنون بظل «الدولة» عليها؟ وما طبيعة القوانين التي تحكمهم؟ كيف يتم التعامل مع الأقليات وأصحاب التوجهات المختلفة عن داعش في هذه الدولة؟ وزارات للدولة ومقار رسمية لها... محاكم شرعية، إعدامات ميدانية، علاقات مع استخبارات أجنبية وعربية!!!
أيها العزيز، إنَّهُ إذا استمر الإصرار على مواجهة العدو الجديد (الإسلام)، فلن تكون هذه المواجهة إلا في إطار حرب ساخنة قد تؤدي إلى احتلال عسكري مباشر، ومن هنا، فإن من مصلحة الإسلام تعزيز أواصر التضامن الداخلي بين مكوناته جميعها، وبمختلف مواقعه، ونشر رسالته العالمية باعتباره دين سلام للناس جميعا، وخلاصا للبشرية من الدمار المادي والمعنوي، وليس كما تروّج له آلة الدعاية الإعلامية من أنه يغذي الإرهاب والعنف والتطرف.
إن السلام مبدأ من المبادئ التي عمّق الإسلام جذورها في نفوس المسلمين، فأصبحت جزءًا من كيانهم وعقيدة من عقائدهم. ولفظُ (الإسلام) الذي هو عنوان هذا الدين مشتق من مادة السلام؛ لأن السلام والإسلام يلتقيان في توفير الطمأنينة والأمن والسكينة والله سبحانه وتعالى من أسمائه (السلام) والناس من المسلمين يؤمنون بما شرع من مبادئ وبما رسم من خطط ومناهج. وحامل هذه الرسالة هو حامل راية السلام، لأنه يحمل إلى البشرية الهَدي والنور والخير والرشاد. وتحية المسلمين التي تؤلف القلوب وتقوي الصلات وتربط الإنسان بأخيه الإنسان هي السلام، وبذل السلام للعالم وإنشاؤه جزءٌ من الإيمان.
إعلامية وباحثة أكاديمية- جامعة قطر
بقلم : خولة مرتضوي
copy short url   نسخ
09/02/2018
3019