+ A
A -
تلاحقنا الصور القاتمة من كل مكان حولنا تقريبا، ومع أننا لا نستطيع التحدث في مقال محدود المساحة، إلا عن جزء فقط مما نريد قوله، فإن توجه سلطة رام الله الى فك الارتباط مع الاحتلال والانفكاك عن »الشيكل«، ومساعي إنقاذ مقابر إسلامية من التجريف في حيفا ويافا، ليست سوى نماذج سريعة ومختزلة عما يحدث لفلسطين بأجزائها الثلاثة: الضفة الغربية وقطاع غزة وأراضي 1948.
وفيما تتهم حكومة حيدر العبادي مثلا، رغد صدام حسين ومعن بشور بالإرهاب ضمن ستين مطلوبا، فإنها تستثني أبوبكر البغدادي دون تفسير ذلك. أما الأزمة النووية بين الكبار فتتفاعل بقوة وخطورة تغيب عن بال الكثيرين. فالصين انتقدت بشدة بيانا يلخص الموقف النووي الأميركي الجديد، بسبب ما وصفته بكين بـ »تخمينات عشوائية« ضدها يحتويها الموقف، فيما اعتبرت موسكو البيان بأنه يتسم بطابع حربي معادٍ لها ومشكك بنواياها، في الوقت الذي تغوص فيه بريطانيا في نقاش حول مدى وحجم الانسحاب كلياً أو جزئياً من الاتحاد الأوروبي، أو إجراء استفتاء للعودة إلى الاتحاد!
قليلة جدا هي الاماكن الهادئة سياسيا على سطح كوكبنا، أغلبها في اميركا اللاتينية وإفريقيا، غير ان غضب أنقرة المبرر من خلال حملتها على »عفرين« السورية التي يشكل بعض مسلحيها الاكراد تهديدا إرهابيا لتركيا المحاذية، ليس إلا بقعة توتر واحدة في منطقة شاسعة من الشرق الاوسط الكبير فشلت دوله والقوى الكبرى كروسيا وأميركا في تسوية مشكلاته الرئيسية، خاصة سوريا والعراق ولبنان وليبيا واليمن وغيرها، وهي للأسف ما زالت جميعها، بعيدة جدا عن أي سلام قريب موثوق.
وكثيرة جدا هي النقاط الساخنة حتى الغليان في كوكبنا المبتلى بتوجهات غير حكيمة ومواقف تتسم بالجهل والتعصب. وإذا كان مفكر يهودي مستنير مثل »جدعون ليفي« يكرر كل يوم أن فلسطين سُلبت بالقوة من أناس ليسوا مسؤولين عن ترك ديارهم، فإن كراهية العرق الفلسطيني التي زرعها حكم الليكود في العقد الأخير ثم الاستيلاء على القدس كي تصبح عاصمة لإسرائيل، تحولان دون إحقاق العدل والمساواة وإعادة الحقوق للفلسطينيين، مما يهدد بتجدد المعارك وسفك الدماء على المديين: المتوسط والطويل.
هذا الغبار الكثيف الذي يغلف فلسطين خاصة ودول الشرق الأوسط والإقليم المحيط عامة، ما يورط الدول العظمى في حروب أخرى محتملة قادمة، يشكل النظرة المتشائمة السائدة تجاه خيارات العالم في عشرات البلدان التي يعبر سكانها عن فزعهم للأوضاع السائدة وإحساسهم الدائم بعدم الاستقرار.
وليس خطأ القول إن ممارسة الظلم ضد قطر وشعبها مثلاً على أيدي دول الحصار، وإصرار هذه الدول على نبذ فكرة الحوار كسبيل للتسوية، يُجبر المجتمعات المتجاورة على دفع أثمان وكلف باهظة، مع ما يترتب على ذلك من استقطابات سياسية، وحتى عسكرية بالنتيجة، مما يجعل الانسان العادي يفقد الثقة بالدبلوماسية كأداة محترمة للتفاهم.
القادة الحكماء يقبلون الحقائق والأدلة دون جدل فارغ، ويتخذون قراراتهم لضرورات موجبة وليس لصالح شخصية تحركها الرغبة في احتكار السلطة والحكم وفرض الوصاية على دول أو كيانات مستقلة وذات سيادة. غير ان التحرش والتآمر واستخدام القوة والمال لخلق وقائع غير شرعية، تفاقم الموقف ويزيد المشاكل اشتعالاً.
بقلم : مازن حماد
copy short url   نسخ
07/02/2018
2438