+ A
A -
تروي بعض المصادر أن ولي عهد أبو ظبي اتصل بالبلاط السلطاني، بعد إذاعة تليفزيون مسقط الرسمي مطلع 2011، عن محاولة الاختراق الانقلابي الفاشل آخر عام 2010، بعد أن اعتذر مسؤولو ابوظبي في مسقط، ووافقوا على شروط السلطنة، وقد نشرت سي ان ان في مارس 2011، أن السلطان قابوس قبل الاعتذار بعد وساطة كويتية.
وكان التساؤل عن أن الاعتذار يكفي لطي الصفحة فلماذا يعلن في الإعلام؟
غير أن البلاط، أبلغ ولي عهد أبو ظبي أن رد السلطان يعني: أننا سويّنا الأمر معك بشروط، وأن الإعلان يوجه لأبناء شعبنا، لفهم التجربة الخطرة لو تكررت أي محاولات مستقبلية، وبحسب معلومات وردت من مسقط، فإن هناك رصدا مستمرا لمحاولات مختلفة، مارستها ابوظبي تتعلق بمعلومات السيادة والأمن القومي للسلطنة.
معنى الرسالة هنا واضح وهو المهم، بغض النظر عن قالب الرواية، وهو المعنى الذي يتفق مع سياسة ومنظومة مسقط، الهادئة في التعاطي، البليغة في الرد، واليقظة بصورة لا يتصورها الزائر، حتى لا يُحفّز أمنياً، وأحياناً لا تدركها أجهزة المخابرات الأخرى.
وإعادة نشر خرائط عُمان، بدون ولايتها المُطلة على مضيق هرمز، التي تعتبر من صلب جسمها القومي، إضافةً إلى حسم قوات أبو ظبي في الجنوب اليمني، وتواجدها على حدود عمان الجنوبية، بات يعيد أسئلة كبرى، في علاقة مسقط وأمارة أبوظبي تحديداً.
وفي اعتقادي أن أي طرف اليوم، يُدرك أن المغامرة باختراق مسقط مكلفة جداً، ولذلك لا أرجّح أن يكون مشروع ولي عهد أبو ظبي، يصل إلى إعادة التفكير بذلك، غير أن المشروع الاستراتيجي الذي تخطط له ابوظبي خاصة بعد السقوط الكبير، أي انهيار النظام السياسي في المملكة العربية السعودية، ومخطط عزل المنطقة الشرقية عن نجد، وتركها في حرب أهلية تحفز فيها البادية، وهو ما نرى فتيله يشعل بصورة مجنونة في الدولة الضحية.
كل ذلك وما أحدثته أزمة الخليج من هزة استراتيجية، يبرز على طاولة التفكير، ولسنا نجزم بأن هذا السيناريو قد يطبق بالضبط، غير أن جملة حقائق، وتغييرات استراتيجية تزحف على الأرض في الخليج العربي، ومنها قوة أبو ظبي المطلقة في الرياض، والتي تأكدت بعد قرار اسقاط هادي وشرعيته كليا.
ونحن نعيش اليوم في مرحلة مقاومته الأخيرة، والصمود أمام مشروع أبو ظبي لا يوجد له أرضية صلبة حتى اليوم، وإن أُعيدت بعض المعسكرات، بحكم إبعاد هادي إلى الرياض، والتباين في خريطة القوة العسكرية، وعدم وجود أي قدرة، لصناعة توازن بديل لمواجهة اسقاط الدولة اليمنية، الممهد الوحيد لضم ابوظبي للجنوب، ونذكّر أننا قلنا ذلك قبل أكثر من سنتين.
وقبل أن يعلن بحاح احتفاءه الأسبوع الماضي، بالتصفية الدموية لفريق هادي، وزحف ميليشيات المجلس الانتقالي، على قصر الرئيس الغائب.
هنا تتضح الصورة، في وضع عُمان، بأنها تحت ضغط كماشة سياسية، تحرك فيها قضية مضيق هرمز الذي تحت سيادتها، وهو بالمناسبة يرمز لتاريخ المنطقة وقوة النفوذ الإقليمي، الذي ثُبت في التاريخ لعمان اليعاربة والأئمة المقاومين.
فهل التحرك لاستباق أي جهود قد تقودها عمان، لتعديل قواعد اللعبة في اللحظة الأخيرة، عبر الأمم المتحدة، واتفاق بين هادي والحوثيين، للحفاظ على وحدة اليمن وضمان فيدرالية مطلقة للجنوب، ثم تتصارع المكونات سياسيا، بعد وقف الحرب، وهو سيناريو يتفق مع طاولة الكويت وموقف مبعوث الأمين العام.
لكن لا يبدو لهذا الأمر، أرضية صلبة اليوم، في ظل رهان الشرعية والإصلاح الوحيد على التحالف، ولكن المؤكد هو أن عمان، تبقى قضية مؤرقة جداً، للشيخ محمد بن زايد، الذي أخر إلى اليوم، اعلان توليه الحكم في ابوظبي ومن ثم الإمارات.
والمؤكد أن مشروع الشراكة الاستراتيجية الكبرى، التي ستضمن لأبو ظبي الشريك الإقليمي الأوحد للغرب، بعد ذبح الجسم الكبير، لديها مشكلة مع عمان، وهي مشكلة تاريخية واجتماعية وسياسية.
وقد كان من الممكن أن تواصل علاقاتها الإيجابية، بعد مشروع الاتحاد، الذي قاده الشيخ زايد وأدرك ضرورة احترام عمان وتاريخها القومي والسياسي، وعلاقتها ببقية ساحل عمان، مع وجود الاستقلال القُطري، الذي جمع الإمارات السبع، غير أن المشروع الضخم الذي توسعت به ابوظبي، أسقط كل أعراف وبروتوكولات العلاقات.
وتاريخيا ترتبط إمارات الساحل بعمان، التي أُعلنت دولة اتحادية مستقلة، بعلاقات اجتماعية ودينية وثقافية وسياسية، بل إن القواسم الوهابيين في الشارقة ورأس الخيمة، كانوا يرون أئمة عمان هي مرجعهم وحلفهم الديني والاجتماعي والسياسي، في ظل المواجهة التاريخية بين الائمة في عمان والبرتغال.
وكان هناك تداخل كبير، وصل إلى حد أن يُشكّل الدور القاسمي بعداً اجتماعياً ترجيحياً، في ظل الخلافات والانقسامات التي حدثت في الداخل العماني في ذلك التاريخ، كونهم محسوبين على الجبهة العمانية الكبرى.
إن واقع السلطنة اليوم، يقوم على وحدة اجتماعية وطنية صلبة، والإسلام ذو جذور قوية، فعُمان جمعت بن التحول الحضاري، وخطاب الاخلاق والإبقاء على البعد الإسلامي للمجتمع، رغم مشروع الحداثة الجديد، وتلمس ذلك عياناً في خطاب المثقفين، وفي جولاتك في ولايات عمان.
وحسم السلطان قابوس عملية الانتقال السياسي، للسلطة بنظام دقيق ومواد معلنة مطلع عليها، لم تُغيّر أو تبدل، خضعت لمهلة قانونية محددة للتطبيق بعد رحيله، والبنية الدينية ذاتها اليوم، تجاوزت حساسيات حاولت جهات مخابراتية، زج عمان فيها، فحالة الاستقرار ومساحة خطاب البلاغ الديني وحلقات العلم قائمة.
وما جرى مؤخراً، من استهداف لشخصيات التيار العلمي الحنبلي، في السعودية، يعزز القناعة لدى الطيف العلمي الديني العماني، بتميز الاستقرار الديني في السلطنة، ليس في مدرستي الاباضية والشافعية الكبرى فحسب، وإنما حتى لحنابلة جعلان، الذين هم متحدون اجتماعيا ووطنيا، في سلك السلطنة الرسمي والشعبي.
هذا فقط في لوحة الاتجاهات الدينية، وهو يتكرر اجتماعيا وثقافيا، وقوة الجبهة الداخلية في عمان، في ظل صراعات شرسة مع التيارات الدينية السنية، أشعلتها ابوظبي داخل الإمارات وخارجها، ولم تهدأ حتى اليوم، بل تحولت منظومة الصراعات، مع التيارات الدينية إلى شبكة حروب.
خلافاً لعُمان التي أطرت تياراتها قانونيا ومدنياً، وأصبحت لهم مساحة شراكة لا صراع، وليس بالضرورة أن تكون حققت المستوى المطلوب، من حيث تساوي فرص المدارس الإسلامية، ولكنها تمارس تعايشا وتفاهما وطنيا كبيرا.
وسنكمل في المقال القادم، قراءة المستقبل الجيوسياسي بين عُمان وامارة ابوظبي، وما هي مراهنات الأخيرة لموسم التقسيم، في الزمن الأميركي الكبير.

بقلم : مهنا الحبيل
copy short url   نسخ
05/02/2018
3425