+ A
A -
هل سيحكم الرئيس عمر البشير السودان لمدة 31 سنة و25 يوماً فقط كما جزم العراف السوداني «بلة الغائب» أم سيحكمها لستة وثلاثين عاماً أو ربما أكثر لو تم «تصفير العداد» كما ذهب السيد «أُبي عزالدين» السكرتير الصحفي السابق للبشير والقيادي في حزب «المؤتمر الوطني» الحاكم؟
يُفترض بموجب دستور 2005 أن يحكم البشير لفترتين فقط مدة كل منهما خمس سنوات.
وبما أنه أنتخب في 2010 وأعيد انتخابه في 2015 فإن دورته الثانية والأخيرة ستنتهي في 2020. ولو أضيفت هذه السنوات العشر إلى المدة التي قضاها في الحكم منذ يونيو 1989 فإن ما قاله «بلة الغائب» لا يعتبر تكهناً بقدر ما هي حسابات مبنية على ما يقضي به الدستور الحالي. لكنه دستور انتقالي يمكن أن يتغير حتى يبقى البشير في السلطة لمدد جديدة. والأمر ليس صعباً. كل المطلوب لا يزيد على تصفير العداد السياسي للرئيس من خلال تعديل دستوري يُلغي شرط الفترتين ليبدأ من بعدها العد من جديد بقواعد لا تشترط مدداً ولا تضع قيوداً. ومع أن الشروع في تعديل الدستور قد لا يبدأ قريباً حتى لا يثار جدل مبكراً في مناخ ملبد بالجدل، إلا أن البعض بدأ يمهد الأرضية بالفعل لذلك. فقد أعلن السيد «عثمان نمر» رئيس لجنة التشريع والعدل بالبرلمان السوداني أن احتمال تعديل الدستور وارد. كما نشرت صحف سودانية إعلانات تدعم إعادة ترشيح البشير لفترة ثالثة. ولم يستبعد السيد «محمد لطيف» المحلل السياسي وصهر البشير تعديل الدستور لأن الحزب الحاكم يملك أغلبية برلمانية تؤهله لعمل ما يريده. وبرغم اعتراض السيد «كمال عمر» رئيس الكتلة البرلمانية لحزب المؤتمر الشعبي المعارض على تعديل الدستور إلا أنه لم يستبعد حدوثه طالما أن الحزب الحاكم يملك أكثر من 90 % من مقاعد البرلمان. من جانبه أوضح صاحب فكرة تصفير العداد السيد «أبي عزالدين» أن الدستور ليس آيات محكمات وأن تعديله يخضع لمقتضيات كل مرحلة، وأن القوى السياسية المشاركة في الحوار الوطني قد ترتأي كتابة دستور جديد قبل نهاية 2019، ما سيعطي البشير حق الترشح من جديد وكأنها المرة الأولى، وذلك هو لب فكرة تصفير العداد.
أن يبدأ حاكم بعد أكثر من ثلاثين سنة في العد من جديد. وهذه ليست بدعة سودانية. فقد فعلها الرئيس السادات في مصر لما اقترب موعد خروجه من السلطة بحكم دستور 1971 فقام في 1980 قبل نهاية فترته الثانية والأخيرة بتعديل الدستور ليسمح لنفسه بتمديد مفتوح. ومع أنه قُتل ولم يستفد من تصفير العداد إلا أنه منح لخلفه فرصة مكنته من البقاء في السلطة لثلاثين سنة إلى أن هبت ثورة الخامس والعشرين من يناير. ومع أنها أسفرت وما لحقها من تطورات عن دستور تقيد مواده الرئيس بفترتين مدة كل منهما أربع سنوات إلا أنه لا يُعرف ما إذا كان ذلك سيتغير في المستقبل المنظور أم لا؟
وتصفير العدادات السياسية ليست إلا وسيلة شاعت في بلدان عديدة لإطالة أمد بقاء الحاكم في السلطة. طبقها آخرون قبل أن تُطرح في السودان. استعملها زين العابدين بن علي في تونس عندما جرى تعديل الدستور في 1998 ليضمن لنفسه فترة رئاسية ثالثة أعقبها في 2002 بتعديل آخر ألغى بموجبه المدد الرئاسية بالكامل ورفع سن المرشح من 70 إلى 75 سنة بما يتناسب مع ظروفه بشكل محدد. كما جرى تعديل العداد السياسي في الجزائر في 2008 عندما وافق البرلمان على بقاء رئيس الجمهورية لمدد مفتوحة بدلاً من فترتين. وفي بوركينا فاسو جرى تصفير العداد في 2005 ليتمكن الرئيس «بليز كومباوري» من الترشح وكأنه يتقدم للمنصب للمرة الأولى مع أنه قبض على السلطة منذ 1987. وعرفت الكاميرون في 2008 وكل من أوغندا وتشاد في 2005 والجابون في 2003 ظاهرة تصفير العدادات عن طريق تعديلات دستورية مشابهة.
ولو كشف تصفير العدادات السياسية عن شيء فلا يكشف إلا عن مدى ما وصلت إليه المؤسسات السياسية في كثير من البلدان من هشاشة. فهي تملك سجلات معسولة من الكلام عن الديمقراطية واحترام الدستور إلا أنها لا تزيد في النهاية على حبر على ورق حيث تتلاعب السلطويات المدربة بالانتخابات وبالدستور وبالقانون من أجل تمرير مشروعات تخدم أهواء خاصة ومصالح ضيقة وتطلعات أنانية. وعلى عكس الدول الفاعلة التي تصفر عداداتها السياسية فقط مع وصول وجه جديد إلى الحكم، فإن الدول الفاشلة تُصفّر عداداتها لكي يبقى فرد بعينه في السلطة حتى لو تسبب ذلك في أن تتحول الدولة والمجتمع إلى صفر كوني كبير.

بقلم : د. إبراهيم عرفات
copy short url   نسخ
05/02/2018
2802