+ A
A -
تُوفِّيَ البارحة «اينغفار كامبراد» وترك وراءه ثروةً تُقدَّرُ بستين مليار دولار! وكامبراد لمن لا يعرفه، هو سويديُّ الجنسية، مؤسس ومالك شركة إيكيا للأثاث، كان يعيش حياةً بسيطة جداً، يعيشُ في بيت صغير، ويلبسُ ثياباً مستعملة، ويسافر على الدرجة الاقتصادية، ويستقل المواصلات العامة، وينزل في فنادق رخصية، ويقود ذات السيارة لمدة عشرين عاماً، ويكتب على وجه الورقة وخلفها! ونهاية المطاف ذهبَ ولم يأخذ معه شيئاً تماماً كما سنفعلُ جميعاً!
وعلى ما يبدو أنَّ العِبر كالمصائب «لا تأتي فُرادى» كما تقول العرب! فبعد قراءتي لخبر موت كامبراد، قرأتُ أن «فيكتور فالديز» الحارس السابق لبرشلونة خسر كلّ ثروته التي استثمرها في التجارة، وأعلن إفلاسه... فما كان من نادي برشلونة الذي لا أُحبُّه إلا أن وقف موقفاً نبيلاً مع حارسه السّابق، وضمّه إلى مدربي الحراس في النادي رغم عدم الحاجة إلى مدرب إضافيّ... والنُّبل تُرفع له القبعة ولو جاء من عدو!
وما أكثر العِبر وأقل المعتبرين!
كامبراد ذهبَ من الدنيا خالي الوفاض... هذه هي الحقيقة التي نعرفها جميعاً ونتجاهلها، والتي أراد السلطان سليمان القانوني، أحد أعظم السلاطين في التاريخ أن يقولها لنا يوم أوصى وهو على فراش الموت قائلاً: إذا أنا متُّ فأخرِجوا يديَّ من التابوت ليعلم النّاسُ أنه حتى السلطان خرجَ منها فارغ اليدين!
ولكي لا يقول قائل: أعيشُ غنياً وما بعدي الطوفان... جاء خبر إفلاس فالديز ليخبرنا أنَّ الطوفان قد لا ينتظر موت أحدنا، فقد يأتي ويجرفنا ونحن على قيد الحياة! فهذه الدنيا غير مأمونة!
المال ليس لوثة، والغنى ليس سُبّة، على العكس تماماً «نِعم المال الحلال في يد العبد الصالح»، والإسلام الذي احتمى يوماً بسيف خالد، ولاذ بقصائد حسّان، وشدّ أزره بعقل عليّ، أعتق عبيده أبو بكر، وجهز جيش عسرته أثرياء الصحابة، وما ضرّ عثمان ما فعل بعد اليوم!
كسب المال مطلب حياتيّ، وأداء الزكاة فريضة، والصدقة قربى، والجهاد محرقة المال، ومن جهّز غازياً فقد غزا، ومن خلفَ غازيا في أهله فقد غزا كما قال سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام! ولكن علينا ونحن نجمعه أن ندرك أنه وسيلة الحياة وليس غايتها، وأن قيمة الإنسان بما في قلبه لا بما في جيبه، وأن كل ما جمعناه وسنجمعه سنتركه خلفنا ونمضي، ولن يبقى منه شيء لنا إلا ما أرسلناه للآخرة ونحن على قيد الحياة!
لو كان الغنى يرفع الناس ما خُسف بقارون، وما ذاق النمرود طعم النِعال وهي تجلجل رأسه، ولو كان الفقر يحط من قيمة الناس ما كان محمد صلى الله عليه وسلم أفقرهم، ولكنه على فقره كان أشرف الناس، وأجمل الناس، وأكرم الناس، وأتقى الناس، وسيد الناس! فاجمعوا منه من حلال ما استطعتم، اسعَدوا به، وأَسعِدوا من حولكم، تهادوا تحابوا، سافروا تروّحوا عن أنفسكم، اشتروا السيارات الفارهة تسعدوا، والأثاث الفاخر تستريحوا، ليس في هذا منقصة ولا مذمة، ولكن تذكروا ليس للأكفان جيوب!

بقلم : أدهم شرقاوي
copy short url   نسخ
01/02/2018
4881