+ A
A -
يبدو أن أميركا أم الغرب التي عرفناها تقرأ الكثير من الكتب لم تعد تقرأ إلا الكتب المثيرة أو الفضائحية مثل كتاب: «نار وغضب في البيت الأبيض» الذي سيبيعه مؤلفه الصحفي مايكل وولف إلى شبكة تليفزيونية لتحويله لفيلم سينمائي، تماما كما كنا ننتظر بعض كتب الراحل محمد حسنين هيكل التي أفرغ فيها انتقامياته من السادات وغيره.
عالم اليوم لم يعد يقرأ دواوين الشعر، وقلت قراءته للروايات، بينما زاد إقباله على قراءة السير الذاتية والمذكرات وما شابه ذلك، خاصة تلك التي تميط اللثام عن تفاصيل فصول غامضة في حياة أصحابها
هذا ليس رأي كاتب هذه السطور، ولكنه رأي أحد الناشرين العرب الذي التقيته صدفة، وتجاذبت معه أطراف الحديث حول حاضر القراءة في عالمنا العربي وأحوالها، فهو ناشر لديه دور نشر ويطبع كتبا لمؤلفين وعلماء وأدباء كبار، ويؤكد أنه صار يجني الخسائر لأن شباب اليوم لم يعدوا يقرؤون، بل وحتى الطاعنين في السن، الجمهور التقليدي للكتب، صاروا يتشبهون بالشباب في اعتمادهم على الصحافة الإلكترونية ووسائط التواصل الاجتماعي بدلا من عادة القراءة التي جبلوا عليها ومن المفترض أنهم ادمنوها ولم يكن بوسعهم التوقف عنها، ولكن حدثت اندفاعة غريبة نحو التكنولوجيا سرقت الناس من عادة القراءة.
تنهد محدثي وهو يقول بوجع: ظروف الحياة الصعبة أخذت الناس من القراءة، ولم يعد بمقدور كثيرين دفع ثمن الكتاب، ولهذا لك أن تقارن بين شوارع المدن العربية، التي عرفت بالمكتبات المرصوصة والمتجاورة، بالشوارع الأخرى الممتلئة بالمطاعم أو محال بيع الملابس والأحذية، سوف تتبين أن شوارع المكتبات وأسواق الكتب خالية من الجمهور، حتى أن بعض أصحاب دور النشر والمكتبات صاروا يفكرون جديا في تغيير نشاطهم.
وقال لي مثقف آخر: إن كان لنا عمر سوف أذكرك أن عصر القراءة سوف يعود إلى سابق عهده بعد أن يعود الوعي بأهميتها في التنوير وصياغة قدرة الإنسان في التعبير عن نفسه وعن أفكاره، وسيبحث الناس عن ذلك في دواوين الشعر التي هجروها، وكثلك في الروايات التي قلت قراءتهم لها الآن، وبعد اكتشافهم أن هذا السخاء التليفزيوني الذي يجذبهم حاليا لن يلبي لهم هذه الاحتياجات مثلما توفرها القراءة، ولهذا لا يجب أن نطيل رثاءنا لعصر القراءة لأنه عائد بلا جدال بعودة جيل جديد يشبه الجيل الذهبي من المبدعين الذين أتحفونا بإبداعاتهم التي نهلنا منها وأمتعتنا وشكلت وعينا.
لم أشأ معارضة محدثي الأخير الذي بدا لي يتحدث بعقلية جدي الله يرحمه، ومع ذلك احترمت فيه ثقته بأهمية القراءة وعالم الكتب والمكتبات التي خلت منها أغلب بيوت شباب اليوم، واحتلت مكانها شاشات التليفزيون.
عدت إلى مكتبتي المتواضعة، بعد أن كنت قد عقدت العزم على الاعتناء بها، وربما تزويدها بكتب، ولكني صدمت حينما تبينت أن زوجتي خصصت القسم الأكبر منها لكتب الطهي خاصتها، وأن ما فاض من الكتب بعد ذلك صار حبيس صندوق كرتوني!

بقلم : حبشي رشدي
copy short url   نسخ
30/01/2018
1982