+ A
A -
شغلت قضية الإعجاز العلمي للقرآن الكريم قطاعاً كبيراً من العلماء والباحثين المسلمين، على امتداد العقود الأخيرة من القرن العشرين وحتى اليوم، وأنتجت الآلاف من المؤلفات المعنية حول الإعجاز العلمي للقرآن الكريم، وللسنة النبوية، وعقدت المئات من المؤتمرات في مختلف الدول العربية والإسلامية حولها، وأنشئت المؤسسات والمجامع العالمية الممولة بميزانيات ضخمة للدعوة للإعجاز العلمي، كما انشغل إعلامنا باستضافة نجوم الإعجاز العلمي وتخصيص برامج خاصة لدعاته عبر الفضائيات والصحف والمحاضرات المختلفة، أنفقت موارد كبيرة واستنزفت جهود مستفيضة في تأكيد المؤكد لنا (أسبقية القرآن الكريم العلم الحديث)…
فما هي المحصلة النهائية لهذه الجهود والموارد؟ هل ازددنا إيماناً ويقيناً؟ هل أقنعنا غير المسلمين بصحة ديننا وإعجاز قرآننا؟! هل تقدمنا علمياً وتقنياً وأصبحنا مكتفين ذاتياً بعد طول اتكال واستيراد لمنتجات الآخرين؟! ألم يكن الأولى بدعاة الإعجاز العلمي، وهم المتخصصون علمياً من طب وهندسة، توجيه جهودهم إلى ميادين الابتكار والاكتشاف، بدلاً من انتظار مكتشفات الآخرين، ثم القول إننا سبقنا العالمين؟! ألم يكن الأجدر بهم، المساهمة في اكتشاف يفيد البشرية والمسلمين؟!
ماهو الإعجاز العلمي للقرآن؟
يقصد بالإعجاز: سبق الكتاب العزيز بالإخبار عن حقائق كونية أو ظواهر علمية، لم تكن البشرية تعلم عنها حين نزول القرآن، حتى ثبتت مؤخراً بالعلوم التجريبية الحديثة.
ويختلف الإعجاز العلمي، عن التفسير العلمي للقرآن، والذي يقصد به: الكشف عن معاني الآية في ضوء حقائق العلم التجريبي، ونظرياته المرجحة.
ما أهداف الدعوة إلى إثبات الإعجاز العلمي للقرآن؟
يقول المتحمسون، إن الإعجاز العلمي يحقق الأهداف التالية:
1- الإعجاز العلمي للقرآن، من أنجع الوسائل للدعوة في عصر العلم، وبخاصة في الأوساط العلمية الدولية التي تعد مجالاً خصباً لإقناع العلماء الغربيين بالإسلام.
2- الرد العلمي الدامغ على الأفكار التشكيكية بصحة الرسالة المحمدية.
3- استنهاض عقول المسلمين، وتشجيعهم على البحوث العلمية والتقنية التي تخلفت فيها الأمة، تخلفاً كبيراً.
4- الرد العملي المقترن بالبرهان الساطع على أن الإسلام هو دين العلم حقاً.
5- تعزيز يقين المسلمين بدينهم.
على الجانب الآخر هناك الرافضون للإعجاز العلمي للقرآن الكريم، كونه كتاب هداية ونورا ورحمة، وليس كتاباً علمياً في الفيزياء والفلك والطب، فضلاً عن أن الإعجاز، شرطه التحدي، وهو إنما اقتصر على الجانب البلاغي والبياني، المعهود للعرب، ولم يتحدهم بالمعجزات العلمية غير المعهودة.
ختاماً: إن الانشغال بقضية الإعجاز العلمي في القرآن الكريم والسنة النبوية، لا طائل وراءها، وما هدفوا إليه من ثمرات للإعجاز، لم تتحقق كما رجوها، ولازلنا عالة على العالم، ولن يزيد إيمان المسلمين بالإعجاز العلمي إيماناً، كما لا ينتقص إنكار الإعجاز من إيمانهم، وما ظهر مصطلح الإعجاز العلمي إلا حديثاً، ولم يرد عند مفسري وفقهاء السلف، يكفينا في عصر العلم عدم وجود تعارض بين آيات الكتاب العزيز مع ما استقر من الحقائق العلمية.
ختاماً:
أتصور: أنه لو صرفنا الجهود والموارد إلى تكوين العقلية العلمية وتعزيزها لدى الناشئة، كما حث عليها القرآن، لكان أجدى للمسلمين، من الانشغال بالإعجاز العلمي وطبقاً للشيخ القرضاوي فإن أعظم ما جاء به القرآن ليس هو الإشارات الإعجازية، بل إنشاء العقلية العلمية التي لا تقبل شيئاً إلا بدليل، ولا تنقاد وراء الظنون والأهواء،«إن يتبعون إلا الظن وما تهوى الأنفس»، لا العقلية العامية الخرافية التي تصدق وتقبل أي شيء، ولهذا نجد الخطاب القرآني أفلا تعقلون أفلا تتفكرون والأصل أن الأمور المنطقية لا تقبل إلا بدليل، والأمور الحسية لا تقبل إلا بمشاهدة وتجربة، والأمور النقلية لا تقبل إلا برواية موثقة.. ويضيف: ولو أن المسلمين فهموا القرآن على هذا الأساس، لأصبح عندنا أعظم العقول العلمية التي من شأنها أن تكتشف وتخترع وتعرف أسرار الكون وتسابق الآخرين..القرآن يجعل من إعمال العقل في الكون والإنسان للكشف عن القوانين والسنن، وكذلك طلب العلم، بالمفهوم الواسع والشامل للعلم، فريضة وعبادة، طبقاً للعقاد في التفكير فريضة إسلامية.
بقلم:د. عبدالحميد الأنصاري
copy short url   نسخ
29/01/2018
9298