+ A
A -
يبدو أن السلطة اللبنانية بدأت تضيق ذرعا بمناخ الحرية الذي يتمتع به لبنان، والتي الذي هي يشكل مكونا أساسيا فيمن جوهر وجوده ومعناه وتركيبته السياسية والسوسيولوجية. فقد اندفعت مؤخرا إلى التضييق على الحريات الاعلامية والفنية والعامة، وقامت باحالة بعض الاعلاميين إلى القضاء بتهمة التعرض لرئيس الجمهورية أو لـ«حزب الله»، أو بإلصاق تهمة العمالة لإسرائيل. فقد كرت السبحة في الأسابيع الأخيرة لتطال الصحفية والباحثة الزميلة حنين غدار التي صدر بحقها حكم بالسجن ستة أشهر ل»تعرضها للجيش «اللبناني» وانتقادها تسهيله لحركة «حزب الله»!
والأنكى من ذلك ان غدار تقيم منذ عدة سنوات في الولايات المتحدة، وقد أبدت هذا الرأي خلال مشاركتها في ندوة عقدت عام 2014 تناولت فيها الأوضاع في المنطقة ودور إيران وتورط «حزب الله» في الحرب في سوريا، ونفوذه الذي أدى إلى تحولات جذرية لدى شيعة لبنان. فأين الجرم في كلام ورأي يلهج به كثير من اللبنانيين؟ والأسوأ من ذلك ان الحكم هو غيابي وصادر عن المحكمة العسكرية وليس عن محكمة المطبوعات كما يقتضيه القانون اللبناني!
وقبل أسابيع ضج لبنان بخطوة استدعاء القضاء للاعلامي الزميل مرسيل غانم، انبرى مساندا لها وزير العدل شخصيا ما أثار أكثر من علامة استفهام.. غانم الذي يقدم أهم برنامج سياسي على احدى المحطات اللبنانية، طلب للاستماع إلى شهادته بتهمة «السكوت» عن تحقير رئيس الجمهورية ورئيس البرلمان ووزير الخارجية خلال احدى الحلقات من قبل أحد الضيوف غير اللبنانيين الذي كان يشارك عبر اتصال من خارج لبنان.
لا شك ان من هم في السلطة اليوم لم يعرف عنهم تعلقهم بالحريات ودفاعهم عنها خلال مسيرتهم السياسية والنضالية. غير ان الصفقة التي أوصلتهم قبل سنة إلى الحكم، والقائمة على الاستئثار بالسلطة وبالقرار السياسي وعقد الصفقات وتمرير التلزيمات، لم يعد بامكانها ان تتحمل أي معارضة لنهجها من قبل أي طرف، ولا حتى انتقاد بسيط من قبل الاعلام والصحفيين. وما تعرض له الصحفي فداء عيتاني قبل فترة هو خير دليل على ذلك، فقد أحيل إلى محكمة جنائية وهو خارج لبنان بسبب مقال نشره على الانترنت كشف فيه عن معلومات حول صفقات يعقدها بعض أطراف السلطة. وهذه ايضا قضية كان من المفترض ان تحال على محكمة المطبوعات. تماما كما حصل مع الكاتب والناشط أحمد الايوبي الذي تم توقيفه نحو أسبوعين بتهمة «تحقير» رئيس الجمهورية.
أما عن تهمة العمالة لإسرائيل فحدث ولا حرج! فقد وجهت هذه التهمة للممثل المسرحي زياد عيتاني وتم اعتقاله، ونسجت حوله قصص مثيرة تولت إحدى الصحف تسويقها، ونشر مجريات التحقيق المفترض ان يبقى سريا، مثل علاقته باحدى ضابطات «الموساد» الإسرائيلي. ليتبين لاحقا خلال التحقيق الرسمي معه الذي نشرته الوكالة الرسمية للانباء ان لا وجود لمثل تلك المرأة. فهل تبين ان التهم التي وجهت له كانت من نسج بعض الأجهزة؟! ومع ذلك لا يزال عيتاني قيد الاعتقال ينتظر المحاكمة.
وقد اكتمل مسلسل القمع والتضييق على الحريات بقرار منع عرض آخر فيلم للمخرج الأميركي ستيفن سبيلبرغ ( THE POST ) بحجة انه يهودي داعم لإسرائيل. علما انه ليس الفيلم الأول الذي يعرض لهذا المخرج في صالات بيروت.

بقلم : سعد كيوان
copy short url   نسخ
23/01/2018
2563