+ A
A -
مايجب ادراكه قبل اي شيء آخر ان الحق الفلسطيني كان طوال الوقت، منذ بن غوريون وإشكول، اوضح مما ينبغي. عبارة قد تبدو خارجة عن المعقول، لكنها قدمت إلينا من وسط الهتافات والشعارات، ومن عمى الألوان ودمار البيوت وقلب الحقائق، وتحالف عرب »كبار« مع اسرائيل لضرب ايران كما يزعمون، وكثير من اشياء اخرى تستعصي حتى على تفكير منظومة »ستارترك« الفضائية.
يقول البعض إن صرخات محمود عباس الخارقة لغلاف الفضاء جاءت متأخرة عقودا، لكن تلك الصرخات اقرب ما تكون إلى الهذيان الممزوج بالرعب والندم. لم يعد لدى الرجل ما يقوله لأحد في جنبات الدنيا، لكن ما زلنا كغيرنا، نتلقى الصحيح والكاذب في سلة واحدة، وما زال التعامل مع مئات القرى العربية التي دمرت وأقيمت مكانها اسرائيل، يتم بكثير من الواقعية الاستسلامية، والقليل جدا من التفهم والمواساة.
السبب هو ان الحقائق تفرض نفسها على الجديد، وتريح الذين يمقتون التكرار الممل لأي شيء، حقا كان ام باطلا. غير ان قصة كهذه لا تنتهي هنا عند النقطة التي صحا فيها عباس من كابوس المائة عام.
وكان مجلس تحرير »هآرتس« محقا عندما وصف خطاب ابومازن امام المجلس المركزي »الثمانيني« بأنه صرخة إنذار تسبق تحطم صاروخ فتاك على المصالح الاكثر حيوية لاسرائيل، وعندما وُصفت المناطق المحتلة بأنها دولة تحت الاحتلال الاجنبي تعترف بها »176« دولة في العالم.
اسرائيل مرعوبة من أمر لا يتذكره كثيرون، وهو ان الكفاح المسلح المشروع دوليا، سينقل تلقائيا الى المنظمات العالمية والأمم المتحدة وإلى لاهاي، بشكل يسحق المكانة الدولية لاسرائيل. وعلينا الإقرار بأن عباس ظل يهدد ولكن بجبن واضح، بتحويل اسرائيل الى محكمة الجنايات، لكن حتى عظمه الخربان لن يلبث ان يعود الى رحمة ربه، إذا رحمه، مع يقيننا ووعدنا، بأن عذاب الدولة اليهودية المارقة والسارقة باق حتى يوم السعير.
وثمة يقين آخر وهو ان إلغاء اوسلو ووقف التنسيق الامني الغادر (على الأقل) سيؤديان الى سفك دماء اسرائيليين على جانبي الخط الاخضر، لكن تلك المعاناة ستشمل ملايين الفلسطينيين الذين سيجدون انفسهم بلا مخرج سياسي واضح، ليس فقط بسبب تخاذل محمود عباس المريع حقا، ولكن لأن الظروف المقبلة ستدفع حكومة الليكود بغطرستها وفسادها الى خيار الدولة الواحدة في تكرار مليوني للنموذج الجنوب إفريقي، ما يعني النزف بشدة والدمار بلا اعمار في المقبل من سنوات.
وفيما سيعرض نتانياهو على ترامب ما يجري باعتباره رفضا شعبيا فلسطينيا للاعتراف بإسرائيل حتى لو اقيمت وسط نيويورك، وبأي قدس تسمى يهودية، فإن الحقائق تفرض نفسها بقوة غير متوقعة لدى دونالد ترامب على الاقل، وهي ان الفلسطينيين اكثر إصرارا على عدم رفع الراية البيضاء. وليس ذلك فقط، لأن الحقيقة المرة كالعلقم هي ان دونالد ترامب ونتانياهو أخفقا تماما في اخضاع الفلسطينيين، فهم باختصار لم ينتصروا ولم يهزموا.
وحتى كُتّاب في صحف مثل نيويورك تايمز وواشنطن بوست، وكثير ممن لا ينظرون باحترام الى الحلول التي يقترحها رجل غير مجرب مثل ترامب، مجمعون على ان الذي سيخرج رابحا من هذه اللعبة هم الفلسطينيون الذين سيضطرون الى ركل الكرة الحمقاء التي جاء بها الرئيس 45 إلى الشرق الاوسط بأرجلهم، وسيبرهنون انهم ليسوا إرهابيين كما حاول نتانياهو ان يقنع ترامب، بل شعب سيضحك كثيرا على ما ستؤول اليه الامور في العقود المقبلة.
بقلم : مازن حماد
copy short url   نسخ
19/01/2018
2712