+ A
A -
إن الفرق بين الحكيم الحقيقي والواعظ هو المرح، أن ضحك الحكيم ينبع من أعماقه، أما الواعظ فهو يشيح بوجهه عند الضحك.. وكأن الضحك جريمة، ومنذ زمن بعيد كان الفلاسفة والحكماء يوجهون نفس النداء» لنعد إلى الانسانية العادية، ولتذهب إلى الجحيم أموالكم ومجوهراتكم وتفاوتكم القومي والديني وتعطشكم للسلطة ومطامحكم المبهمة... ضعوا إن شئتم كل هذه الأمور في حسبانكم ولكن دون أن تفقدوا أبدا حس الفكاهة، فالحياة ليس فيها أمر جدي أبدي.. فيها الفكاهة والمأساة معا.. وانت الممثل والقطعة التمثيلية معا...أنت كل ما هو موجود لا أكثر ولا أقل، اذا استهدفنا تغيير العالم أو جعل الحياة سهلة فأي طريقة أفضل من التلويح بالمرآة لنشاهد فيها ذواتنا على حقيقتها بحيث نستطيع الضحك من ذواتنا وقضايانا.. إن الفكاهة التي تضع النقاط على الحروف هي أجدى من حد السيف، ولو كان هتلر رجلا مرحاً يحب الضحك لربما ما نُكب العالم بموت الملايين من البشر، وعلق «ستيفن كولبرت» السياسي الساخر في مقابلة له عن أهمية الضحك في الاوقات الصعبة فقال:-لا يمكنك أن تضحك وتشعر بالخوف في آن واحد، ففي الاوقات العصيبة قد يساعدنا القليل من المزاح كثيرا على مساعدة من حولنا على الاسترخاء، والتخفيف من حدة التوتر والقلق، كما فعل الرئيس الأميركي رونالد ريجان حينما داعب كبير الجراحين وهو في طريقه لاجراء عملية خطيرة بعد أن تعرض لاطلاق نار من قبل «جون جونيور» قائلا:- «آمل أن تكونوا جميعا جمهوريين» مروجا حتى اللحظة الأخيرة للحزب الذي ينتمي إليه، فما كان من الجراح المتعصب للحزب الديمقراطي إلا ان وجد نفسه لظرافة وغرابة الموقف يرد قائلا وبدون تفكير «جميعنا جمهوريون اليوم يا سيدي الرئيس». وذكرت مذيعة الاخبار الأميركية «بربارة والترز» في مذكراتها انها تعرضت لموقف عصيب كاد يوصلها لمرحلة الكآبة، كانت تمر بمشاكل تتعلق بعملها ومشاكل تتعلق بعائلتها، وزاد الطين بلة أن احدى الممثلات الفكاهيات والتي تتمتع بشهرة كبيرة آنذاك قامت بتقليدها أثناء تقديمها لنشرات الاخبار بعد ان حذفت حرف الراء من الجُمل، وذلك لأن بربارة لم تكن قادرة على نطق هذا الحرف، وقالت في نهاية التقليد «أنا بابا واوا» بدلا من بربارة والترز، ومنذ ذاك الحين أصبح الجميع يناديها بهذا الاسم الُمحرف، من خلف ظهرها وأمامها ايضا، وهذا ما جعلها تصرح بغضب:- كنت أعيش فترة إحباط مرير أغشى بصيرتي، وشعرت بأنهم يضحكون علي بدلا من الضحك على تقليد «غيلدا» لي، ابنتي جاكي وضعتني في المسار الصحيح، ففي إحدى الليالي وفيما كنت أمر بالقرب من غرفتها، سمعتها تُغرق في الضحك، ونادتني قائلة «تعالي شاهدي هذا» ففعلت، وإذا بي أشاهد «غيلدا» التي كانت تؤدي شخصية «بابا واوا» ووجدتها ابنتي الصغيرة مضحكة للغاية، رحت أتمتم ببعض الكلمات مستخفة بمهارتها، فإذا بجاكي تقول لي:- «اوه ماما، هوني عليك» لدى سماعي هذا التعليق أو التأنيب من ابنتي الصغيرة، أدركت أن الأمور كانت بدأت تلتبس علي، كنت أفقد منظوري للحياة، أين روح الدعابة لدي؟ لذا سررت جدا عندما صادفت في وقت لاحق تلك الممثلة أثناء معرض أقيم في البعثة الكندية لدى الأمم المتحدة، لا بد وأنها ارتبكت لما رأتني أسير بتصميم نحوها، قلت لها «أظنك تعرفين من أكون». وقد حرصت على نطق الجملة بتأن متجبنة لفظ حرف الراء، أومأت إلى وانتظرت....أكملت قائلة:-حسناُ اسدي إلى معروفاً، قلديني، رجاء تفضلي وقلديني «ذهبنا إلى ركن بعيد، جلست قبلي وإذا هي تتحول إلى بربارة والترز، جلست بالطريقة التي أجلس بها، واضعة كاحل فوق الآخر، منحنية إلى الأمام كما أفعل عندما أجري مقابلة مع أحدهم، وباشرت بعد ذلك بالكلام، وبالفعل أجادت تقليدي وكانت رائعة، أفصحت لها عن اعجابي، واصبحنا فيما بعد صديقات حميمات». عندما تضحك من نفسك تسلب الآخرين سلاح الضحك منك.
بقلم : وداد الكواري
copy short url   نسخ
18/01/2018
75202