+ A
A -
ربما يكون صحيحاً قول بعض كبار المحللين إن مكانة بريطانيا بعد «بريسكت»، تثبت جدية الرأي الذي مفاده أن لندن لم تعد مؤهلة لأن تكون واحدة من الخمس الكبار في العالم.
لم يطالب أحد رسمياً بإحلال دولة خامسة لمنحها الفيتو بدل المملكة المتحدة على ضوء تراجع لا يعترف به الإنجليز في أهلية «بريطانيا العظمى» لأن تكون الخامسة في العالم قوة وسلطة وقدرة وإمكانيات.
لسنا في موقع المكلف بالبحث عن بديل للندن كقوة تملك سلطة حق النقض (الفيتو)، ولا في المركز الذي يمكننا من القول إن برلين أو نيودلهي على سبيل المثال، أولى بالمنصب، مع ضرورة التذكير بأن آلية الفيتو ذاتها، وتكليف خمس فقط من دول العالم الـ «194» بميزات تمكنها من تحويل كل الآخرين إلى «صفر»، أو الانحناء لرغبة أي دولة من الأعضاء الخمسة الدائمين في مجلس الأمن، دون اعتراض أو نقاش.
ثمة تحفظ إجماعي بالتأكيد على أي سلطة كهذه، لكن ما نحن معنيون به الآن هو تلك المؤشرات القوية الصادرة من عدة أطراف أوروبية مهمة، والتي تدعو علناً إلى إجراء استفتاء ثانٍ حول خروج بريطانيا من أوروبا، وإعطائها المجال لتغيير رأيها.
كان البريطانيون قد أيدوا بنسبة «52 %» الخروج من القارة، وذلك في استفتاء أجري في شهر يونيو عام «2016»، لكن ذلك القرار لم يمنع الكثير من الليبراليين والقوى الديمقراطية من تهوين ما حدث ضد بقاء أوروبا موحدة، والمطالبة بفم ملآن باعتبار أن استفتاء يونيو خطأ كبير، وتبرير ذلك بالقول مثلاً إن الناخبين لم يكونوا مدركين لشتى تداعيات هذا القرار وعواقبه.
ربما تكون رئيسة الحكومة البريطانية تيريزا ماي قد استبعدت الأسبوع الماضي فكرة تنظيم استفتاء جديد قد يفتح الباب لعودة لندن إلى الاتحاد الأوروبي، لكن موقفاً كهذا قد يكون محملاً بالمكابرة وما يتتبع ذلك من تبرير ومداراة على العيوب والثغرات.
لعل من المفيد الإشارة إلى ما نقلته صحيفة (الغارديان) عن وزير الخارجية «بوريس جونسون» بشأن عدم قناعته بأن الرأي العام البريطاني يريد بإلحاح استفتاء آخر حول بقاء لندن عاصمة أوروبية.
غير أن النائب الأوروبي «غي فيرهوفشتان» لم يتردد في التلميح عن سوء نية إلى ما يمكن أن يكون البعض قد وضعوه من مادة مخدرة في شاي أو قهوة ساسة أوروبيين كبار يساندون خيار الاستفتاء الثاني.
ونسأل عن أسباب الاستغراب، وعما إذا كان من حق نسبة ضعيفة «52 %» أي أكثر من النصف باثنين بالمائة فقط، أن يفرضوا الانفصال على «48 %» من الشعب البريطاني؟ وهذا ما يقود إلى التساؤل عما إذا كان من حق تلك النسبة الضعيفة التي تفضل طلاق أوروبا، أن تفكر من جديد في الموضوع، أو أن تبحث عن نسبة صريحة تريد للندن أن تظل أوروبية بقوة؟
يجدر بنا العودة إلى ما قاله وزير شؤون البريسكت «ديفيد ديفيس»، وهو أنه إذا لم تكن الديمقراطية قادرة على تغيير رأيها، فألا يعني ذلك أنها لم تعد ديمقراطية إطلاقاً؟

بقلم : مازن حماد
copy short url   نسخ
18/01/2018
2693