+ A
A -
شهدت تونس في الأيام الماضية حركة احتجاجات ومظاهرات رافقتها في بعض الأحيان أعمال شغب على خلفية التذمر من الوضع الاقتصادي. ويمكن القول ان المظاهرات والمسيرات الشعبية ليست أمرا طارئا أو جديدا على المشهد السياسي التونسي منذ ثورة 2011، حيث لم تتوقف الحركة الاجتماعية عن التعبير عن ذاتها وبأشكال مختلفة سواء من اجل المطالبة بتحسين ظروف اجتماعية أو للتعبير عن رفض للسياسات الرسمية.
وينبغي في هذا السياق التمييز بين جانبين أولهما: أحقية الجمهور العام في رفض بعض السياسات الرسمية في المجال الاقتصادي خاصة بعد صدور قانون المالية الذي يتضمن تفاصيل الخطة المالية للدولة للسنة الحالية (2018) وثانيا: التوظيف السياسي للتحركات الشعبية من قبل قوى المعارضة في تونس. وإذا كان من الطبيعي أن تقوم أحزاب المعارضة بانتقاد الحكومة وتعبئة الشارع ضدها في أفق المحطات الانتخابية المقبلة (انتخابات بلدية ثم نيابية ورئاسية) فإن المشكل يكمن في ضرورة تأطير هذه الاحتجاجات حتى لا تتحول إلى أشكال من السلب والنهب والاعتداء على الممتلكات العامة والمقرات السيادية. فالدستور التونسي الذي يكفل حق التظاهر السلمي والاحتجاج المشروع لا يمنع القوى المجتمعية والسياسية من التعبير في الشارع عن توجهاتها غير انه ومن باب المسؤولية الوطنية من الخلل أن تتورط الأحزاب القانونية في منح غطاء من المشروعية لأعمال شغب أو لاستهداف الممتلكات.
وقد كانت ردود الأفعال على الاحتجاجات الأخيرة متضاربة بين القوى السياسية المختلفة بين أحزاب السلطة التي دعت إلى التهدئة وضبط أعمال الشغب والفوضى فإن أحزاب المعارضة عملت على التحريض العلني على المزيد من التحركات والمظاهرات وهو ما أدى إلى حالة من التضارب في المواقف وتبادل الاتهامات إلى الحد الذي جعل رئيس الحكومة يوسف الشاهد يتهم علنا وبوضوح تحالف الجبهة الشعبية اليساري بالوقوف وراء حالات الشغب والاعتداء على الممتلكات العامة والخاصة الآمر الذي اعتبرته أحزاب الجبهة اتهاما غير مبرر ومحاولة من حزب نداء تونس الحاكم للتملص من مسؤوليته السياسية عن الخيارات الاقتصادية السيئة التي تنتهجها حكومته.
ولا يمكن إنكار أن حالات الشغب الأخيرة التي رافقت الاحتجاجات الاجتماعية أثارت حولها نقاط استفهام حول طبيعة من يقف وراءها ويدعمها خاصة في ظل إدانة الاتحاد العام التونسي للشغل اكبر منظمة نقابية في البلاد لها وإعلان وزارة الداخلية عن إلقاء القبض على أشخاص يقومون بتوزيع أموال على محتجين في بؤر التظاهر بشكل يدعو للريبة.
فالمسار الديمقراطي التونسي ورغم صعوبة الوضع الاقتصادي في البلاد ظل صامدا وقادرا على التطور في الذكرى السابعة للثورة التونسية وهو أمر يثير حفيظة بعض الدول التي تسعى إلى إفشال كل التحولات الديمقراطية في المنطقة وتفتعل مشكلات معها وهنا يتردد اسم دولة الإمارات العربية المتحدة بوصفها نظاما محرضا على الوضع التونسي ولا يخفي رغبته في الانقلاب على مسار الانتقال الديمقراطي في البلاد وإفشاله.
إن قدرة الوضع الديمقراطي الناشئ في تونس على استيعاب الاحتجاجات الاجتماعية وصنع التوافقات السياسية والاستمرار في تطوير المؤسسات السياسية عبر الممارسة الانتخابية يمثل بحق نجاحا فعليا للتجربة وضمانا لاستمرارها. فلا احد ينكر الصعوبات التي تحيط بالمشهد الديمقراطي التونسي غير أن الأزمات الاقتصادية لم تكن يوما مبررا للمطالبة بالارتداد على وضع الحريات فالشعب التونسي يدرك أكثر من غيره أن دول الاستبداد تعاني بذاتها من وضع اقتصادي بائس وأن الفرق بينها وبين تونس يكمن في أن هذا البلد يضمن لمواطنيه حق الاحتجاج وممارسة الرقابة الشعبية على الأداء الحكومي في مقابل حالة القمع التي تصاحب التردي الاقتصادي في الدول الاستبدادية. وليس أمام الشعب التونسي سوى خوض التجربة الديمقراطية ومواصلتها حتى تثبيتها بشكل نهائي مهما كانت الصعوبات والعوائق فهذا قدر هذه البلاد ومصيرها.
بقلم : سمير حمدي
copy short url   نسخ
16/01/2018
2497