+ A
A -

تختلف شخصية ترامب عن كل من سبقه من الرؤساء الأميركيين. وبينما يرى في نفسه شخصا عبقريا قادرا على الإنجاز في أي موقع يقوده، يراه آخرون مريضا نفسيا يمارس السياسة بمنطق رجال الأعمال الفاسدين. وأيا كان موقفنا الشخصي أو الأيديولوجي منه، فقد جاء أداؤه بعد عام من دخوله البيت الأبيض مؤكدا أنه رجل أفعال لا أقوال، مصمم على الوفاء بوعوده الانتخابية، ولديه رؤية أيديولوجية واضحة المعالم، رغم سلوكه البراجماتي الطابع. أما سياسته الشرق أوسطية فهي ترجمة عملية لشعارات ثلاثة: أميركا أولا، إسرائيل مصلحة أميركية، الإسلام الأصولي مصدر تهديد رئيسي للأمن.
موقف ترامب من «أزمة حصار قطر» جاء كاشفا لشعار «أميركا أولا» كموجه رئيسي لبوصلة السياسة الخارجية الأميركية ككل. فبذور هذه الأزمة غرست إبان زيارته للمملكة العربية السعودية وقبض ثمنها غاليا في صورة صفقات وصلت قيمتها ما يقرب من نصف تريليون دولار. ويرى البعض أن ترامب منح السعودية خلال تلك الزيارة الشهيرة ضوءا أخضر كي تواصل ليس فقط سياستها التصعيدية تجاه إيران وإنما أيضا سياستها الرامية لتحجيم دور قطر ومنعها من التغريد خارج السرب السعودي. ورغم عدم توافر معلومات تقطع بدخول ترامب طرفا في مؤامرة الحصار، إلا أنه لا يستبعد أن يكون قد باركه ضمنا. فقد اعتمد عقب اندلاع الأزمة نهجا يقوم على إدارتها وليس حلها، بدليل: 1- التزام الصمت تجاه تعرض وكالة الأنباء القطرية لعملية قرصنة رغم توافر معلومات مؤكدة ضلوع دولة الإمارات فيها. 2- إقدامه على نشر تغريدات في البداية تشير إلى عدم استبعاده ضلوع قطر في تمويل الإرهاب، وتنطوي من ثم على تأييد ضمني للحصار. 3- صدور تصريحات رسمية تعكس وجود تباين في رؤية مؤسسات صنع القرار الأميركي حول كيفية التعامل مع هذه الأزمة، رأي فيه البعض انعكاسا طبيعيا لتعدد مراكز صنع القرار في النظام السياسي الأميركي بينما رأى فيه البعض الآخر توزيعا للأدوار. 4- التظاهر بالاهتمام بتسوية الأزمة، عبر إيفاد عدد كبير من المسؤولين الأميركيين للمنطقة، لكن دون إصرار أو تصميم على فرض التسوية.
وموقف إدارة ترامب من الصراع العربي الإسرائيلي جاء كاشفا لشعار «إسرائيل مصلحة أميركية» كموجه رئيسي لبوصلة السياسة الخارجية الأميركية في هذا المجال. صحيح أن جميع الإدارات الأميركية السابقة انحازت كليا لإسرائيل، غير أن مواقف ترامب بالذات تجاوزت كل ما سبقها واقتربت إلى حد التطابق مع أكثر قوى اليمين الإسرائيلي تطرفا. وتأسيسا على هذه المواقف، راح ترامب يتحسس طريقه لبلورة حل شامل، عرف إعلاميا باسم «صفقة القرن»، يرى البعض أنه دفن «حل الدولتين»، بموافقته على توطين الفلسطينيين حيث يقيمون وترحيل ما تبقى منهم في فلسطين التاريخية إلى خارجها، وبالتالي تصفية القضية الفلسطينية وليس تسويتها. وجاء إقدامه اخيرا على الاعتراف بالقدس عاصمة موحدة لدولة إسرائيل وإصداره أوامر بالبدء في اتخاذ إجراءات نقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس بمثابة تأكيد أن اهتمامه بفرض تسوية بالشروط الإسرائيلية يفوق اهتمامه بالتوصل إلى «صفقة» متوافق عليها.
وأخيرا يعد موقف ترامب من إيران كاشفا لشعار «الأصولية الإسلامية مصدر تهديد للأمن الأميركي» كموجه رئيسي لسياسة الولايات المتحدة ليس فقط تجاه إيران وإنما تجاه العالم الإسلامي ككل. فخلال حملته الانتخابية أفصح ترامب عن رفضه التام للاتفاق المبرم حول برنامج إيران النووي وتعهد بتمزيقه، باعتباره اتفاقا يؤجل حصول إيران على السلاح النووي لكنه لا يقطع عليها هذا الطريق نهائيا.

بقلم:د. حسن نافعة
copy short url   نسخ
11/01/2018
2494