+ A
A -
مع الانطلاقة المؤلمة للعام 2018 على خلفية عام سابق مليء بالتطورات الإقليمية الخطيرة في هذه المنطقة «الثلاثية» والاستراتيجية التي تضم الشرق الأوسط والخليج العربي وشمال إفريقيا، نشهد مؤشرات وتوقعات لا تحمل الكثير من البشائر التي كنا نتمناها.
غير أن البركان الخليجي الذي فجرته دول الحصار وعلى الأخص الإمارات التي أقدمت على قرصنة إلكترونية اختلقت تصريحات قطرية لم ينطق بها أحد بقصد تقول الدوحة ما لم تقله إطلاقا، جعل ما يطلق عليه الآن «الأزمة الخليجية»، واحدة من نقاط الضغط العالي المفتعل من أساسه.
ورغم أنه بات واضحا للعالم كله أنه لولا تلك القرصنة التي جرى تلفيقها في إحدى غرف أبوظبي لما ظهرت تلك الأزمة إلى الوجود، وإن من الغريب والمستهجن أن تجد الأزمة المفبركة من يتبناها وينفخ فيها، ويحولها إلى بؤرة نزاع إقليمي ودولي في آن واحد.
هذه الأمور معروفة ولا داعي لتكرارها غير أن من المستحيل، الهروب من الحقيقة التي تقف عارية أمامنا وهي أن الأزمة لفقت عن قصد لخلق الأزمة ليس فقط بهدف عزل قطر أو التعدي على سيادتها واستقرارها، ولكن في إطار مخطط أوسع، محمل بالمخاطر على الخليج كله، وكذلك على الشرق الأوسط الكبير وبما يشمل القضة الفلسطينية من خلال تآمر أشقاء مقربين عملوا علنا وبلا خجل من أجل سرقة مدينة القدس بشرقها وغربها، ثم توحيدها لضمها إلى إسرائيل واعتبارها عاصمة لهذه الدولة المارقة التي صار عمرها سبعين عاما ولم تنجح خلالها في تركيع الشعب الفلسطيني الصابر والصامد والتي تشابكت مطامحه المشروعة مع المطالب القطرية المشروعة بذات المقدار والتي أريد لها في الحالتين أن تُصادَر في إطار المؤامرة.
هناك دوماً ما يدهش
لكن المدهش في القضايا الدولية عموما أن البناء ليس كله الذي يهدم أو يدمر ويحرق.. فمن وسط المأساة تولد العزائم وتتحقق الإيجابيات وتهزم السلبيات وتنبت الورود الجميلة إلى جانب العديد من المناطق المكبلة. نتحدث هنا خصوصا عن «الأزمة الخليجية» التي افترض المتآمرون أنهم عرفوا كيف ينهونها إلى صالحهم وكيف يدفعون الدوحة إلى الاستسلام، غير أن ما أرادوه لم يحصل، وهو ليس في طريقه لأن يحصل. وما حدث بالفعل هو العكس إذ أن العام 2018 ليس عاما سيئا لقطر كما خططت دول الحصار المعروفة الانتماء والمفضوحة الرغبات. فهذا العام الذي مازلنا في مطلعه هو عام حصاد الإنجازات، فهو العام الذي سيشهد على سبيل المثال زيادة ملحوظة في العائدات النفطية وغير النفطية وهو العام الذي ستنقل فيه شركات عالمية استثماراتها إلى قطر.
نمو في ذروة المقاطعة
وإذا كانت الدوحة قد عززت مكانتها السياسية والاقتصادية منذ اندلاع الحصار الجائر في يونيو الماضي فقد فتحت في الوقت ذاته مشروعات عملاقة جديدة في ذروة المقاطعة الرباعية غير المجدية وحققت تحت الحصار نموا وصل إلى 25 % في قطاع الإنشاءات و15 % في الصناعات الغذائية تحت الحصار مع مضاعفة الاستثمارات المحلية والأجنبية والنجاح المبهر في تنويع الاقتصاد والتركيز الكبير على الصناعات الدوائية وتطور قطاعات التعليم والصحة وصناعات النسيج والبلاستيك ونمو الإنتاج الزراعي والحيواني والسمكي والارتفاع الهائل في الصناعات الصغيرة والمتوسطة التي تغطي السوق المحلي.
إتاوات ورفع أسعار
وفي المقارنة مع دول أكبر أطرت لمضاعفة أسعار البنزين ورفع الرسوم الطلابية والحدودية وخصم إجباري من المرتبات الكبيرة والصغيرة على السواء ورفع أسعار الكهرباء والماء وفرض الضرائب بكل أنواعها على المواطن والمقيم وحتى إيقاف مئات من المليارديرات وأصحاب الملايين الذين فرض عليهم دفع الإتاوات ومشاركة الحكومة بأموالهم الشخصية. بالمقارنة مع كل هذا فقد أكد خبراء ورجال أعمال أن قطر ستجني الآن ثمار خطة تنموية بدأتها منذ 5 سنوات، حيث تفيد التوقعات بأن العام 2018 سيشهد نسبة نمو غير مسبوقة بأن ما جرى إرساؤه في طريقها نحو الازدهار حتى لو استمر الحصار لسنوات.
شبكة من العلاقات
وإضافة إلى الإدارة الجيدة لثروات والاستثمارات المتنوعة والتي وضعت قطر في مصاف الدول الأكثر نموا في المنطقة فقد أكدت الدوحة على ألسنة العديد من المسؤولين تمسك البلاد بثوابتها الوطنية والقومية ورفض الإملاءات أو المساس بسيادتها وقرارها الوطني، ما استطاعت هزيمة مخطط الحصار بإنجازات متوالية على كافة الصعد الاستهلاكية والتموينية والاقتصادية وبناء شبكة من العلاقات الدفاعية المتنامية والمؤطرة على قواعد متينة، هذا عدا المشاريع والطرق المدارية والشوارع الرئيسية والأنفاق والجسور والطفرة في مجال الغذاء والدواء.
بعض أسباب الأزمة
من ناحية أخرى كشف الإعلامي السعودي جمال خاشقجي بعض أسباب الحصار عندما قال في جلسة «الخليج العربي إلى أين يتجه؟» ضمن فعاليات المؤتمر السنوي للجمعية الإسلامية الأميركية في شيكاغو «إن الأزمة الخليجية فرقت دول الخليج وكونت تحالفات جديدة»، لافتا إلى أن السبب الحقيقي وراء الأزمة الخليجية هو الربيع العربي.
وأوضح الخاشقجي في الجلسة التي بثت على الجزيرة مباشر أن منظومة الخليج تملك أرضية ممتازة للشراكة بين دولها، غير أن صاحب القرار هو من يعطلها موضحا أن الأزمة أخلت بوحدة الخليج.
منفردة لا موحدة
وألمح إلى أن العلاقة بين دول الخليج وإيران أصبحت منفردة ولا توجد سياسة موحدة، مشيرا إلى أن قطر باتت مجبرة على علاقاتها مع إيران بسبب الغاز، رغم أنها عارضت إيران في سوريا واليمن ووقفت مع الرياض في دعم الشرعية اليمنية، رافضة الاتهامات الموجهة إليها من جهات معروفة بدعم الإرهاب، مضيفة أن دول الحصار الأربع تخطط لفرض الوصاية المستحيلة على القرار الوطني في قطر أو إجبارها على التنازل عن سيادتها واستقلالها لصالح أحد.
كم يؤلم المرء !
وكم يؤلم المرء أن يعي أن الأزمة الخليجية تدخل شهرها الثامن دون حل والأنكى أن الحل يقترب، بل أنه يبتعد بعد أن دخل العنصر القطري بقوة على الخريطة الجديدة التي تتشكل في أفق منطقتنا وكان من الطبيعي أن تعلن قطر صراحة أنها ستقف مع الفلسطينيين وحقوقهم في القدس إلى النهاية رافضة في الوقت نفسه ضغوطا نعرف جميعا من يقف وراءها لإقناع دول الخليج بوقف تمويل السلطة في فلسطين.
محكوم بالفشل
وإذا كانت دول ضعيفة تغطت طويلا بالأكاذيب قد انكشفت الآن تماما بعد أن رمت القدس من إحدى نوافذها السوداء بنية أن تصبح المدينة بشطريها الشرقي والغربي عاصمة لإسرائيل، فإن الذي يجري محكوم بالفشل ليس لأن أوروبا برمتها (والعال) يقفان ضد أن تكون القدس العربية الإسلامية والمسيحية عاصمة ليهود لا علاقة لهم بها، للآن ولا أمس ولا غدا. ولكن لأن الذين جلسوا على طاولة التآمر كانوا إلى ما قبل شهور قليلة من مدعي الحرص على مستقبل فلسطين والقدس، فإذا بهم يعتبرون فلسطين جزءا من إسرائيل وعاصمتها.
نحو الحقيقة
القصة عميقة ومتشعبة وأبطالها معروفون، ونأنف حتى من تكرار أسمائهم التي لا يخجلون هم أنفسهم من ترديدها، لكن المطمئن أن عقلاء العالم هم كثر وسيهبون في النهاية لا لوضع أصبعهم على الحرج، ولكن على الحقيقة التي لا نعرف كيف يمكن بيعها على الإجرام الخسيس وكيف يمكن التنكر على آلاف السنين رغم علمنا أن ما كتب من التاريخ وتوثق بالأدلة لا يمكن أن يمحى من الذاكرة مهما فعل الصهاينة الذين تحالف معهم بعض العرب المضَللين ومهما لجأت شركات عملاقة مثل غوغل إلى تغيير الحقائق والوقائع إلى الحد الذي محت فيه فلسطين من واقعها لتفاجئ فقط بأن المحو غير ممكن، فقد كتبت الكلام بحروف من دم يقف عليها رجال التاريخ الكبار وشيوخه شهودا لا يمكن إطلاقا الشك بنزاهتهم.
النزاهة الفعلية
ونود أن نقول أن النزاهة المشار إليها غير قابلة للطعن نهائيا، لكن المؤكد تماما هو أن تلك النزاهة موضوعة وراء القضبان إلى أجل، فمنذ انتهاء الحرب العالمية الأولى وهو وعد بلفور المنافق والكذاب تغير كل شيء وجرى تفعيل المؤامرة وتنفيذ الأضاليل ودفن النزاهة في بئر عميقة غير أن كل ذلك فشل وسيفشل بالتستر على حقيقة ما حدث ذلك أن الأساس الذي أرساه المنتصرون لا ينتصر للفقراء والمحتاجين وإنما للكبار والعظماء (مع التحفظ على الكلمتين) واختيار الدول الخمس الكبرى الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وروسيا والصين) كمالكة للحقوق، أو بمعنى آخر مالكة للحقيقة حيث اتفقت الخمسة أن تتمتع دون غيرها من دول يبلغ عددها 193 دولة، بالسلطة والحكم والقرار وظلم الضعفاء.
الفيتو يقتل الحق
ولهذه «الميزة» علاقة مباشرة بكل شيء يحدث في العالم وفي قطر، فأي واحد من الكبار يستطيع إسقاط أي قرار لا يعجبه ويوافق عليه الجميع، وهو ما حدث أخيرا عندما شطب الفيتو الأميركي برفض تحويل القدس إلى عاصمة لإسرائيل.
على قطر أن تتنبه إلى هذا التفرد الجائر للدول الخمس بالقرار فأميركا وحدها استخدمت الفيتو لصالح إسرائيل 30 مرة في سبعين عاما لذلك يجب على الدول النزيهة أن تقاتل في اتجاهين، النضال لإسقاط نظام الفيتو من جهه وعقد الاتفاقيات مع دول تملك هذا الحق لمجابهة دول أخرى حازت عليه. فرجال من أمثال الرؤساء الأميركيين يمتلكون الحق الذي هو ليس حقا ويسكرهم امتلاكهم له ويحسون أن الأفضل رغم أنهم الأضعف والأكثر عنصرية وكراهية للآخر.
سلطة البشرة البيضاء
ربما يكون ما يجري في العالم من تخبط وفوضى وعدم استقرار، من المؤشرات المهمة على نقاط الضعف الذي تعتري نظام الفيتو والذي تعاديه شعوب الأرض قاطبة جراء عنصريته وإيمانه بقوة وسلطة البشرة البيضاء، على العالم أن يصحو وظني شخصيا أنه في طور الصحوة الذي سيأخذ وقتا طويلا حتى تتحول إلى بنود شرعية حتى تصبح جزر القمر مماثلة للولايات المتحدة في التصويت وزنجبار بذات القوة التصويتية التي تتمتع بها روسيا.
أما قطر بالذات فتتمتع بالصلاحية التي تريد دول أكبر حرمانها منها، رغم أن هذه الدول الأكبر من قطر لم تصل إلى مرتبة الخمس الكبار الذي يجب أن يخفيها العدل وبعد النظر والحكمة والمساواة بالساحة السياسية الدولية.
بقلم : مازن حماد
copy short url   نسخ
10/01/2018
2963