+ A
A -
لم يدرك الفلسطينيون وشركاؤهم العرب ، إدراكا تاما بعد، انه تم بيعهم تدريجيا في مزاد دولي طويل الامد، لم يقضِ فقط على وحدتهم التقليدية، لكنه قذف بهم الى قارعة التاريخ. وبالمقابل لم يدرك المتآمرون الذين كان باراك اوباما المنسق الاخير للصفقة، ودونالد ترامب الذي شبك التيار بالجدار، ان ما فعلوه لن يأخذ أبدا صفة الديمومة. فهناك تاريخ ثري موثق يستحيل اخفاء معالمه، يشهد وسيظل يشهد على ان الولايات المتحدة أشد خطرا من اسرائيل التي اسستها بريطانيا ثم سلمت واشنطن مهمة تحويل فلسطين الى دولة يهودية.
بات الجميع يعلمون، بمن في ذلك، صدقوا أو لا تصدقوا، محمود عباس الذي اكتشف قبل اسابيع فقط، انه كان ضحية خداع دولي استمر منذ اللحظة التي دخل فيها ما يسمى «العمل النضالي» من باب خلفي لا مفتاح له!
عباس لم ينفرد بالجهل، وكثير من الفلسطينيين كانوا يدركون ان الخداع بدأ قبل وعد بلفور وكتبوا حول ذلك الكثير، لكن قرون استشعارهم عطلها العملاء العرب وأصدقاؤهم الصهاينة الاوروبيون والاميركيون.
لهذا السبب، عُرضت واشنطن على الفلسطينيين والعرب، كوسيط، وهي في الواقع سيدة التآمر وملكة العرابين وصاحبة الصفقة.. صفقة القرن العشرين التي اقر بها اغبياء السلطة بعد مرور 17 عاما من القرن الحادي والعشرين.
لا يعني ذلك ان نتشاءم، فالذي حدث يدعو الى التفاؤل، لأن سفهاء واشنطن ومن مشى في ركابها ، باتوا على علم كامل بالحقيقة، وأهم ما ادركه هؤلاء نلخصه في جملة واحدة: باراك اوباما اعد الطبخة، ودونالد ترامب وضع «القابس» في جدار الشرق الاوسط كله وليس فلسطين وحدها كما روج.
ولن يجد احد حتى عزاء وهميا في ان الضرر يقتصر على الفلسطينيين، ذلك انه ضرب معظم العرب وفي المقدمة السعودية التي قدمت كل أرقامها السرية وجزءا وفيرا من حساباتها البنكية، الى واشنطن وصدقتها ، رغم ان ستة فقط من 194 دولة في العالم صادقوا على ما نفذه رئيس اميركي يتلاعب بالعواصم ومصائر الشعوب، ويعين هذا ويفنش ذاك، ليس لأنه لا يملك اي شرعية لفعل ذلك، ولكن لأن احدا من الذين ركلهم في ملعب صحراوي مفتوح، لم يجرؤ على ان يسألهم: من انتم حتى تفعلوا ما فعلتم؟
ربما لا يزال «رجال دولة» كبار من أمثال اوباما وترامب مقتنعين بعودة ما لحل الدولتين، لكن المشكلة ان العالم الذي يعرف كامل الحقيقة، حتى آخر قرية في القطب الشمالي، لم يعد يقبل ان تستخف به الولايات المتحدة بهذه الطريقة المهينة.
اسرائيل الآن حليف وثيق لواشنطن، والقضية الفلسطينية لم تعد اكثر من «قضية خيرية» تستحق بضعة ارغفة من حين لآخر، لكن المتآمرين لم يعلموا فقط بالفكرة القائمة على الاغتيال الكامل للحقوق الفلسطينية، بل باتوا مدركين بأنها نفخت فيها هذه المرة روحا لن تخمد للأبد ومهما امتلك ترامب من مقابس. لذلك نظن ان فلسطين التي يريدون قتلها هي التي ستقتلهم في نهاية الامر.
بقلم : مازن حماد
copy short url   نسخ
09/01/2018
2882