+ A
A -
الشعور بالقوة عندما يكون في غير موقعه وزمانه يتحول إلى مجرد عنتريات، وإذا استمر فيصبح نوعا من الهستيريا! فكيف اذا كان هذا حال رئيس الولايات المتحدة... ان كتابا، مجرد كتاب، أفقد دونالد ترامب صوابه. وجعله يتنكر للمؤلف - الذي يعرفه- ويكيل له الشتائم. لدرجة ان وزير خارجيته ريكس تيلرسون اضطر للدفاع عن رئيسه: «لا أشكك أبدا في صحة ترامب العقلية»! والمفارقة الأغرب ان الرئيس الأميركي نفسه اضطر للدفاع عن سلامته العقلية ووصف نفسه بـ«العبقري» على صفحته على «تويتر» قائلا: «في الواقع طوال حياتي فإن صفاتي الرئيسية كانت الاستقرار العقلي والذكاء... لقد سلكت الطريق من رجل الأعمال الناجح جدا إلى النجم التليفزيوني ثم رئيس الولايات المتحدة الأميركية (من المحاولة الأولى)، يتهيأ لي أن ذلك يمكن أن يشخص ليس فقط «بالذكاء» ولكن بالعبقرية»! فما الذي جعل ترامب يفقد صوابه؟.. قبل أيام صدر كتاب بعنوان «نار وغضب- في بيت ترامب الأبيض»، لمؤلفه مايكل وولف. يتناول الكتاب الرئيس الاميركي بعد سنة على وجوده في البيت الأبيض، أكد فيه أن «ترامب غير قادر عقليا بأن يكون رئيس الولايات المتحدة، فهو لا يقرأ ولا يسمع وليس فضوليا». وتكلم وولف عما أسماه «الوضع الفوضوي السائد داخل البيت الأبيض» و«الإرباك الذي ما زال يسيطر على ترامب الذي لم يكن مستعدا للفوز بالرئاسة». ويذهب أبعد قائلا إن «مساعديه يسخرون من قدراته...». ويكتسح الكتاب القراء وينفد من الأسواق! يعلق ترامب على ما جاء فيه قائلا إنه «مليء بالأكاذيب»، وينفي ان يكون سمح لوولف بدخول البيت الأبيض. ولكن المؤلف يصر على أنه تحدث مع ترامب مطولا ومع أشخاص «يتحدثون معه بشكل يومي ويتابعون العمل معه دقيقة بدقيقة». وفي الحقيقة، فان وولف استقى معلوماته بشكل أساسي من ستيف بانون الذي كان مستشار الحملة الرئاسية لترامب وكبير استراتيجييه في البيت الأبيض، وبالأخص واضع ايديولوجية سياسة الرئيس الاميركي الجديد. وبانون هذا هو من أكد اجتماع عدد من مسؤولي حملة ترامب مع شخصيات روسية ووصف الأمر بأنه «خيانة». وقد أكد المدعي العام الفيدرالي الأمر ووجه في أكتوبر الماضي الاتهامات إلى المدير السابق لحملة ترامب بول مانافورت ونائبه ريك غيتس...
هنا تنتهي حكاية الكتاب. وإنما لا تنتهي حكاية ترامب الذي تحول إلى «ظاهرة صوتية»! يهدد ويتوعد شمالا ويمينا منذ دخوله البيت الأبيض. يريد الشيء ونقيضه. يريد محاربة إيران ويصفها بأكبر دولة راعية للإرهاب في العالم، ولكنه يكتفي بالتهويل وبالتصاريح النارية ضدها. ثم يمنع بالمقابل مواطنين من الدول الإسلامية من دخول الولايات المتحدة. يعلن أنه يريد محاربة الإرهاب ويطالب بالحرية للشعب الإيراني والشعب السوري، ثم يتواطأ مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لبقاء بشار الأسد في السلطة.
ويريد ان تقف الدول العربية إلى جانبه في حربه المعلنة ضد الإرهاب، ويقوم بالمقابل باعلان القدس عاصمة إسرائيل ويعمل على نقل السفارة الاميركية إليها. ثم يقرر أن «يعاقب» كل من صوت ضد القرار في الأمم المتحدة من الدول الـ 128. يمارس الكيدية والابتزاز باعلانه أولا تخفيض مساهمة واشنطن (285 مليون دولار) في ميزانية الأمم المتحدة، ثم يتبعه باعلان قطع المساعدات المالية عن السلطة الفلسطينية اذا لم تعد إلى المفاوضات مع إسرائيل. ولاحقا تعلن المندوبة الاميركية في الأمم المتحدة نيكي هالي تجميد 125 مليون دولار من مساعدات أميركا لـ «وكالة غوث اللاجئين الفلسطينيين». يمارس الضغط والابتزاز بطبيعة الحال فقط على الفلسطينيين وليس على إسرائيل.
يهدد ويتوعد كوريا الشمالية، فيما يطلق المتهور الآخر كيم صواريخه النووية عشوائيا متحديا الإدارة الاميركية. ثم يعود ترامب ويطلب من الصين وروسيا التوسط مع بيونغ يانغ... وهذا غيض من فيض سنة حافلة بالتهور والاخفاقات!
يمارس ترامب الرئاسة على طريقة ممثلي أفلام الكاوبوي، فتتحول الغطرسة إلى مهزلة!
بقلم: سعد كيوان
copy short url   نسخ
09/01/2018
2523