+ A
A -
قامت الحرب العالمية الأولى بسبب اغتيال وريث العرش النمساوي «فرانز فرديناند» وزوجته في البوسنة، على يد أحد الصربيين من جماعة سرية تدعى القبضة السوداء، الغريب أن هذا الوريث لم يكن محبوباً على الإطلاق، فقد كان مغروراً وسليط اللسان، ولم يره أحد قط مبتسماً أو مسترخياً، وكان لا يحب الموسيقى ولا الدعابة، وكانت زوجته مثله جافة ومتكبرة وتنظر للجميع باحتقار، حتى والده الإمبراطور لم يحزن عليه لأنه لم يكن يخفي لهفته لرحيل والده ليحل محله، ولاحقته الكراهية حتى بعد وفاته، إذ رفض النبلاء أن يدفن هو وزوجته في مدافن الاسرة المالكة، ولم يعترض الأب، وتم دفنهما في مقبرة للعامة بدون موكب جنائزي يليق بابن الإمبراطور، ومع ذلك أبى المستفيدون من الحروب كتجار الأسلحة والساسة الفاسدين أن تمر هذه الحادثة دون أن يحصدوا بضعة ملايين، وفي غضون أقل من أسبوع بدأت الحملات التحريضية تظهر فجأة في الصحف، وكان تصعيدها المتواصل متسق التنظيم بحيث تبدو غير مقصودة، وجهت بعض الأقلام تهمة التواطؤ للحكومة الصربية، وفي طيات هذا الاتهام تلميح خفي بأن النمسا لن تسمح بأن تمر جريمة قتل وريثها «المحبوب» الذي لم يكن محبوباً على الإطلاق من دون انتقام، ولم يكن هناك مفر بعد تصعيد الصحف للحدث أن توجه الحكومة النمساوية إنذاراً أعقبته بإعلان الحرب، وقام المأجورون بالدور الذي تقوم به وسائل التواصل الاجتماعية الآن في تعبئة الجماهير وإشعال الحماسة الوطنية، وتأجيج الكراهية، وشعر الناس بعد وخلال هذه النداءات المنظمة أن من واجبهم دعم الحرب الجميلة المقبلة، فتدفقت المقالات والقصائد التي تمجد وتؤيد الانتقام، وأعلن المثقفون بين ليلة وضحاها أن الإنجليز والفرنسيين حلفاء الصرب لا يملكون أية ثقافة، وكل أدبهم تافه وعديم القيمة مقارنة بالأدب الألماني، وهب العلماء لنجدة الوطن فعسكروا في المختبرات لعل وعسى يبتكروا جرثومة أو سلاحاً بيولوجياً سريع المفعول للقضاء على العدو الذي يعدون العدة للقضاء عليه، ووصل هذا السعار المحموم للقتل والتدمير إلى كل فئات الشعب على اختلاف أطيافهم، وأعلن الأطباء عن قدرتهم على اجراء أصعب العمليات الجراحية الترقيعية لكل من يفقد عضوا في الحرب، حتى أن بعض الذين لم ينخدعوا بهذا الجنون الجماعي علقوا قائلين «إن هذا الإعلان يشجع المرء على أن يبتر إحدى قدميه السليمتين ليحظى بقدم صناعية جيدة الصنع» وودعت الأمهات والزوجات بعد شهر أبناءهم وأحباءهم وكأنهم ذاهبون لنزهة، فالعدالة كما قرؤوا وسمعوا حليفتهم، والنصر مضمون، وكانت النتيجة تسعة ملايين قتيل من الجهتين، وإحساساً بالمهانة ظل ينمو ويكبر لدى الشعب الألماني، وكانت نتيجته الحرب العالمية الثانية، وظهرت حُمى التسلح بين الدول حتى أشدها فقراً، وتكديس الأسلحة بكل أنواعها مدافع-طائرات- صواريخ في المخازن، وشراء غيرها بعد أن تصدأ، أو بعد ان تنتهي موضتها، وكل ذلك على حساب الشعوب التي يتم استنفارها بشعارات زائفة وإخضاعها بشعارات أخرى لا تقل زيفا.

بقلم : وداد الكواري
copy short url   نسخ
08/01/2018
3244