+ A
A -
ربما تكون الولايات المتحدة الدولة الوحيدة في العالم القادرة على ترجيح موازين سيناريوهات متعددة في وقت واحد. فهي ستنشط حتما في أزمات كثيرة ابتداء من النفط، مروراً بالقدس وسوريا وانتهاء بالتجارة الحرة وإيران.
وإذا كان دونالد ترامب قد ختم عهده المثقل بالكراهية على مستوى العالم، بنقل غير شرعي للسفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس، فقد فشل في اجتذاب أي مصداقية لادعائه بأن خططه هي المسؤولة عن الاضطرابات الإيرانية.
وفي كل الأحوال فإن القلاقل في إيران تهم الخليج بأسره، وتهم أيضاً الولايات المتحدة وروسيا، وربما كل دولة في العالم، بالرغم من أن مواقف ترامب المحملة بسياسات غريبة الأطوار تعتمد القوة وليس الحق أو العدل.
وقد يقول التاريخ إن عام «2017» البائد سيكون العام الذي تبدأ فيه المؤشرات الفعلية على تراجع الولايات المتحدة عن ريادة العالم لصالح الصين التي تنافسها روسيا على هذا الموقع.
وقد يقول التاريخ أيضاً إن الرئيس الأميركي الذي يفتح باب القدس لتدخله إسرائيل منتصرة، سيكون المسؤول الأول في البيت الأبيض الذي يعبث بهذه الصورة المعيبة، في الواقع، بمصير أقدس مدن العالم، مستعدياً مشاعر مئات الملايين من المسلمين.
ويخطئ السعوديون إذا اعتقدوا أن وقوفهم إلى جانب ترامب في استيلائه على القدس لصالح إسرائيل مقابل وقوفه معهم ضد إيران وحلفائها سيحل المشكلة. فلا ترامب سيكون قادراً على احتواء طهران كما يزعم، ولا الرياض ستخرج فائزة من معركة القدس، إذ أن انغماسها في قضية كهذه تطال أولى القبلتين تلقي ظلالاً من الشك على جدية المملكة في خدمة الحرمين الشريفين أيضاً، وتدفع نحو إعادة النظر في ما إذا كانت السعودية مؤيدة أصلاً للقضية الفلسطينية.
الخطر الآخر الذي يتهدد الولايات المتحدة هو التعاون الصيني ــ الروسي المكثف لخلافتها في زعامة العالم، خاصة وأن المنافسة القائمة بين موسكو وبكين لن تمنعهما من التفاهم على تعميق العلاقات مع حلفائهما في المناطق الأوراسية. وحتى الأجندة الأميركية التجارية الهجومية ضد الصين والمكسيك وكوريا الجنوبية واليابان لن تفلح في إخماد الحرائق الاقتصادية التي ستضرب كافة القارات.
أما السياسة الأميركية المتشددة تجاه إيران، فإن انضمام السعودية لها، وحتى إسرائيل كما هو مرجح، فلن تغير موقف ترامب المؤمن بإبقاء المعارك بالوكالة مشتعلة في المنطقة بين بلاده وكل من روسيا وإيران وتركيا، كما أنه سيظل وفياً للاتفاق النووي مع طهران رغم تهديده الكلامي بالتخلي عنه، من حين لآخر.
ثمة تساؤلات عديدة حول الأسباب التي تجعل ترامب يتردد في مواجهة إيران بقوة وحزم كما تعهد عدة مرات، ويمتنع عن فرض عقوبات جديدة تخشاها طهران بشدة، في وقت لا يخفي فيه الرئيس نيته انتهاج سياسة تجارية عدوانية ضد الصين واليابان وروسيا وغيرها، معتمداً على الرياض في مسألة إبقاء أسعار البترول منخفضة بعض الشيء.

بقلم : مازن حماد
copy short url   نسخ
04/01/2018
2804