+ A
A -
فارق هائل بين العمق الاستراتيجي الذي يبنيه القاده السياسيون والعسكريون لبلادهم والعبث الاستراتيجي الذي يمارس من خلاله بعض الحكام ألعاب الأطفال، التي لم تفارقهم حتى وهم في سدة الحكم يسوسون أمور الناس، ويعملون من أجل مصالحهم، وأمامنا أمثلة كثيرة لفهم العمق الاستراتيجي، وأمثلة أخرى لفهم العبث الاستراتيجي.
فحينما وقعت تركيا اتفاقيتها للدفاع العسكري المشترك مع قطر، وأقامت قاعدتها العسكرية في الصومال، ثم اتفاقيتها مع السودان لاستخدام جزيرة سواكن، هذا يسمى عمقا استراتيجيا، ليس لتركيا فحسب، ولكن لكل من قطر والسودان كذلك، لأن مثل هذه الاتفاقيات لا تكون لطرف واحد، ولكن عادة ما تكون للطرفين وتكون الفائدة متبادلة بين كل منهما، كل حسب حاجته ورؤيته. ومن يقرأ كتاب «العمق الاستراتيجي»، الذي كتبه رئيس الوزراء التركي السابق أحمد داوود أوغلو، والذي نشر في العام 2003، يدرك الرؤية الاستراتيجية لتركيا، في ظل حكم أردوغان، ومن يمشي على نهجه من السياسيين الأتراك، لذلك فإن هذه الاتفاقيات لم تجد معارضة داخلية رغم أن المعارضة التركية تعترض على كل شيء إلا العمق الاستراتيجي للدولة، فإنه يحظى بالتأييد شبه الكامل من كل الأطياف السياسية.
أما ما قام به عبد الفتاح السيسي من التنازل عن أهم جزيرتين استراتيجيتين في البحر الأحمر، وهما تيران وصنافير للسعودية، والتي كانت حرب العام 1976 أحد أهم أسبابهما، فإن هذا يسمى عبثا استراتيجيا، لأن السيسي في مقابل تنازله عن السيادة والعمق الاستراتيجي المصري لم يأخذ إلا أموالا لإفساد نفسه ونظامه، ولم تعد على الشعب المصري بشيء، فأراضي الأوطان لا تباع، وقد دفع المصريون من دمائهم في الحروب التي قامت مع إسرائيل من أجل هاتين الجزيرتين.
كذلك ما يقوم به كل من بن زايد وبن سلمان من حصار لقطر، والتخبط في المطالب والشروط، وجلب آلاف المرتزقة من أصقاع الأرض، من مجرمي الحرب الذين يعملون مع شركات المرتزقة، التي تتخذ من أبو ظبي مقرا لها، لتهديد الأهل في قطر، فهذا سلوك صبياني لا يقف عند حدود قطر، وإنما امتد إلى حرب عبثية في اليمن، تصنف الدول الغربية، حتى التي تورد السلاح للمتحاربين فيها، بأن ما يجري فيها جرائم حرب. وبدلا من أن يقوموا ببناء اليمن فإنهم يهدمونها على رؤوس أهلها. ولا يقف العبث الاستراتيجي عند حدود قطر، واليمن، وإنما يمتد إلى مصر وسوريا وليبيا والسودان والأردن وتونس وتركيا.
ولأن الفارق هائل بين الرجال الذين يعملون بالتخطيط الاستراتيجي والصبيان الذين يمارسون سياسة العبث الاستراتيجي نجد أن تركيا بهدوء تام أقامت قاعدة عسكرية لها في الصومال، ثم عقدت اتفاقية عسكرية مع قطر ثم عقدت اتفاقية مع السودان لإقامة قاعدة في جزيرة سواكن، في البحر الأحمر، قبل ستة أشهر أعلنت عنها في الأسبوع الماضي فقط، حينما قام الرئيس أردوغان بزيارة رسمية للخرطوم، بعدها سمعنا لطم الخدود وشق الجيوب من فرسان العبث الاستراتيجي، الذين يتعاملون مع جيرانهم بمنطق العبثية والاستعلاء ورد الفعل، وليس المصالح المتبادلة، وسرعان ما عقدوا الاجتماعات للمواجهة.. فهل يمكن لرجال العبث الاستراتيجي أن يتغلبوا على رجال العمق الاستراتيجي؟

بقلم : أحمد منصور
copy short url   نسخ
01/01/2018
10626