+ A
A -
إنَّ مفهوم تمكين المرأة WOMEN EMPOWERMENT أصبح من المفاهيم الشائعة التداول في معظم الدول الغربية والعربية، وشكّل أحد أهم المفاهيم في المؤتمرات والنقاشات المحلية والدولية، إلا أنَّ هذا المصطلح التغريبي يعدّ مفهومًا ظاهرةُ حقٌ يُرادُ بهِ باطل، فبالأساس الترجمة الصحيحة لهذا المصطلح هو «استقواء المرأة» وليس «تمكين المرأة» كما هو الدارج، فمصطلح الاستقواء مستمدّ من مصطلح الجندر أو الفكر الجندري الذي وصلنا على أيدي فلفول الماركسيين والتغريبيين وبعض الجمعيات النسوية المدعومة غربيًا. إنَّ دعاوى استقواء المرأة تهدف بشكلٍ جوهري إلى اتلاف النظام المجتمعي المستمدّ في بلادنا من الشريعة الإسلامية الغراء؛ فالهدفُ إذن تدمير ركن تأسيسي هام في المجتمع المسلم وهو المرأة واخضاعها لحرب شعواء طالبة لحقوقها المكفولة في رحلة تقليد كلية للمرأة الغربية مسلوبة الحقوق والمزايا.
يقول المفكر الإسلامي مالك بن نبي: «العلم دون ضمير، ما هو إلا خرابٌ للروح»، إنَّ المرأة شغلت الكُتاب والمؤلفين على امتداد التاريخ، فأصبحت قضية المرأة على لسان الكبير والصغير، رغم أن الإسلام حفظ للمرأة حقوقها وواجباتها المشروعة وعدل بينها وبين شقيقها الرجل، مراعيًا لفطرتها وتمييزًا لدورها، وإنه ما جاءت كل تلك الدعوات المغرضة إلا عندما بَعُدَ المسلمون عن مصدر الحق والنور، وتأثروا فيمن تأثروا بزمن الفتن والنوازل.
إنه على الرغم من أنّ المكتبة العربية والإسلامية تعُجّ بالآلاف من الكتب التي تناولت موضوع المرأة بين الإسلام والأديان الأخرى وحاولت أن تكشف مظاهر الجور التي تلبَسَتها المرأة المسلمة في الصورة النمطية التي يطلقها أعداء الإسلام في كل حين، ورغم أن آلاف اللقاءات التليفزيونية والصحفية التي تُجرى مع المفكرين والعلماء ورجال الدين للحديث عن واقع المرأة المسلمة، إلا أنَّ هذه الجهود تبقى خجولةً جداً إذا ما قورنت بحجم التلبيس الإعلامي والثقافي الذي يقوم بهِ أعداء الإسلام ليحافظوا على ما رسموه من صور نمطية سالبة تعكس المرأة وكل جوانب التشريع الإسلامي بشكلٍ فجٍّ بعيد عن الحقيقة.
وفي الواقع نحن بحاجة ماسة إلى تجديد الخطاب الإسلامي الديني، والاستفادة من قدرات التقانة الجديد المتمثلة بالإعلام الجديد لنحقق فيه هدف الصحوة الإسلامية المنشود، وتبديد كل ما علق بهذا الدين جراء التيارات الغربية المتواترة عليه.
يقول ابن رشد: «إن حالتنا الاجتماعية تتطلب ألا نطيح بكل ما يعود علينا بمنافع المرأة، فهي في الظاهر صالحة للحمل والحضانة فقط، وما ذلك إلا لأن حالة العبودية التي أنشأنا عليها نساءنا أتلفت مواهبهن العظيمة وقضت على مواهبهن العقلية، فحياة النساء تنقضي كما تنقضي حياة البنات، فهنَّ عالة على أزواجهن وهذا كان سبباً في شقاء العالم»، وعليه فإنه مهما عظم التشريع الديني في تكريمه وحفظه لحقوق المرأة فإنه يبقى عاجزًا إن لم تحاول المرأة أن تكون رقمًا منافسًا في معادلة الحياة العريضة على اختلاف وجوهها، لتسهم يداً بيد بجانب شقيقها الرجل في بناء المجتمع الإسلامي في كل مكان.
وما من سبيلٍ أفضل للوصول إلى صورةِ الحقيقة المجردة في الأديان إلا من خلال الحوار والتآلف، ومن خلال تخصيص المزيد من المحاضرات والندوات العلمية الخاصة بالمرأة بالتعاون مع مراكز الأبحاث في العالم، وذلك لمحاولة صد كل الهجمات والتحديات التي تواجه المرأة المسلمة، وإنشاء مراكز دعوية وأكاديمية تُعنى بالمرأة المسلمة، هدفها توعية النساء المسلمات وغير المسلمات بحقوقهن وواجباتهن في ضوء التشريع الإسلامي، بالإضافة إلى تشجيع الباحثين والمتخصصين على تكثيف جهدهم البحثي في القضايا التي تُعنى بالمرأة المسلمة، ومناقشة ونشر هذه الأبحاث على صعيد إقليمي ودولي.
قارئي العزيز، يؤكد الباحث الأكاديمي ناجي النهر في دراسته العلمية في حقل الإعلام والاتصال دور المرأة المهم في بناء المجتمعات والتنمية الشاملة على مختلف الأصعدة، وتوصل الباحث في دراسته إلى أن تغيير صورة المرأة في وسائـل الإعلام يتوقف بالدرجة الأساس على كفاح المرأة الدؤوب من أجل ترسيخ مبادئ الحرية والديمقراطية والمساواة وقد حان الوقت للباحثين والمنظرين وقادة المجتمع ووسائل الإعلام والاتصال المختلفة على إبراز صورة المرأة المساوية للرجل والمشاركة الحقيقية له في اكتشاف كنوز المعرفة النظرية والعملية من أجل تطوير الحياة وحمايتها وتلبية حاجات الناس وإسعادهم، وإن رفع الوعي الديني والحضاري العام للمجتمعات يساعد على تنفيذ وصايا الباحثين ومقررات المؤتمرات الخاصة بالمرأة ومساهماتها الهادفة إلى تغير صورتها السلبية وفي التصدي لمحاولة فرض الثقافة الذكورية وتثبيتها كأيديولوجية اجتماعية مقدسة يصبح من الكفر مجرد التفكير بنقدها أو تغييرها، فنمو أفق العلاقة المشتركة المتبادلة والموسومة بالتأثير الايجابي بين المرأة والرجل لا يمكن أن تسمو قبل أن يسمو وعيهما نحو حالة أرقى وأفضل في فضاء مفتوح وعمل مكثف متجانس في الفكر والممارسة باتجاه التقدم.
إنَّهُ إذا كانت السيسيولوجيا التي تبحث في المجتمع؛ تقر بأن المجتمعات تتغير كل خمس سنوات فإننا وبلا شك نحو تغير إيجابي فيما يخص نظرة المجتمع للأدوار الوظيفية العريضة التي تتطلع المرأة لنيلها، خاصة أن أغلب الدول العربية والمسلمة دفعت المرأة والرجل ومكنتهما من الفرص المتاحة في المجتمع ليكونا سببًا في النهضة الحضارية، كما أنَّ فرص بنات جيلنا أصبحت بلا شك أقوى في الفوز بمقاعد في المجالس السياسية والبلدية، وتحقيق التمثيل الدبلوماسي الداخلي والخارجي، إضافة إلى كافة المشاركة في مختلف مجالات المسؤولية الاجتماعية التي تضطلع بها المرأة، واليوم أصبح المجتمع عاملًا من عوامل الضغط التي تحفز المرأة لخوض غمار التجربة وإثبات النفس والتفوق عليها في سباقها مع نفسها ومع التميز، أو في سباقها الجاد للتمكين الذي منحته لها الشريعة لا الاستقواء الذي أوهمنا به الغرب وصدّع رؤوسنا به في كل مكان!

وفي الختام أوجه تحية تقدير لكافة القائمين على مركز المرأة للمسؤولية المجتمعية عضو الشبكة الاقليمية للمسؤولية الاجتماعية ومقره تونس بالتعاون مع مركز ماكسيمايز للتدريب في قطر؛ لتنظيمهم يوم أمس الخميس «مؤتمر المرأة الثالث للمسؤولية المجتمعية لعام 2017» وحمل شعار «المرأة العربية المسؤولة، أدوات للتمكين المهني بمعايير عالمية» على جهودهم الطيبة في هذا المجال الهام الذي يحتاج إلى طرح قوي وجاد بعيدًا عن التوجهات التغريبية الملتبسة.

بقلم : خولة مرتضوي
copy short url   نسخ
29/12/2017
5221