+ A
A -
أصدر ترامب يوم 6 ديسمبر قراراً اعترف فيه بالقدس الموحدة عاصمةً لإسرائيل وأمر بنقل السفارة الأميركية إليها، مما دفع السلطة الفلسطينية لطلب عقد جلسة عاجلة لمجلس الأمن، وهناك تقدمت مصر بمشروع قرار يعيد التأكيد على عروبة القدس الشرقية كجزء لا يتجزأ من الأراضي العربية المحتلة التي لا يجوز تغيير وضعها القانوني أو الديموغرافي من جانب واحد.. ورغم حرص المشروع المصري على تجنب الإشارة بالاسم إلى الولايات المتحدة، إلا أن هذه الأخيرة لم تتردد في استخدام الفيتو لإسقاطه.
ومع ذلك فقد جاءت نتيجة التصويت في مجلس الأمن بمثابة تأكيد قاطع على عزلة الولايات المتحدة دبلوماسياً، وانطوى على هزيمة سياسية شجعت على نقل المعركة إلى ساحة الجمعية العامة التي انعقدت يوم 21 ديسمبر في جلسة طارئة، تطبيقاً لقرار «الاتحاد من أجل السلم»، لمناقشة مشروع قرار لم يختلف في مضمونه كثيراً عن مشروع القرار المصري في مجلس الأمن، قدمته ثلاث دول تمثل المجموعات العربية والإسلامية وعدم الانحياز، حيث حصل هناك على أغلبية تجاوزت الثلثين، مما شكل صفعة قوية ليس فقط للولايات المتحدة الأميركية، ولكن أيضاً لشخص رئيسها الذي ذهب في محاولاته لابتزاز الدول الأعضاء في الأمم المتحدة حداً دفعه للتهديد علناً بقطع المعونة عن كل دولة تصوت لصالحه، في سابقة فجة وغير مسبوقة في تاريخ العلاقات الدولية.
غير أنه من الخطأ الاعتقاد بأن الهزيمة التي منيت بها الولايات المتحدة على ساحة الأمم المتحدة تعني أن قضية القدس قد حسمت لصالح الفلسطينيين.. صحيح أن قرار الجمعية العامة ملزم، وليس مجرد توصية، كما يدعي البعض، لأنه صدر عن جلسة طارئة استناداً إلى صيغة تؤدي تلقائياً إلى تمتع الجمعية العامة في مثل هذه الحالة بنفس صلاحيات مجلس الأمن، غير أن الولايات المتحدة وإسرائيل لن يعيراه أي اهتمام، كما جرت العادة.. لذا يعد صدوره بداية المعركة وليس نهايتها في الواقع، خصوصاً في ضوء تأكيد محمود عباس امتناع السلطة الفلسطينية عن المشاركة في أي مفاوضات تحت الرعاية المنفردة للولايات المتحدة التي لم تعد وسيطاً نزيهاً، واعتزامه التقدم قريباً جداً بطلبات لقبول فلسطين عضواً كامل الصلاحية في أكثر من عشرين منظمة عالمية.
رفض الوساطة المنفردة للولايات المتحدة في أي مفاوضات لاحقة بين الفلسطينيين والإسرائيليين يعني أن «العملية السياسية» بمفهومها القديم ماتت، ومن ثم يتعين البحث عن عملية سياسية بمرجعية وبآليات جديدة، وهو أمر لن يكون سهلاً على الإطلاق، لكنه ليس مستحيلاً، خصوصاً إذا تمكنت الأطراف الفلسطينية من صياغة استراتيجية وطنية موحدة لإدارة الصراع مع إسرائيل في المرحلة المرحلة، وتلك نقطة تتطلب معالجة منفصلة.. ما يهمنا هنا هو ضرورة لفت الانتباه إلى حقيقة مهمة وهي أن قضية عضوية فلسطين في المنظمات الدولية، خصوصاً في الأمم المتحدة، لن تكون بدورها سهلة على الإطلاق وتتطلب تضافر جميع جهود الدول العربية والإسلامية ودول عدم الانحياز، خصوصاً في ضوء النتائج التي أسفر عنها التصويت الأخير في الجمعية العامة.. صحيح أن 128 دولة وافقت على قرار الجمعية، في مقابل 9 دول فقط صوتت ضده، معظمها إن لم يكن جميعها دول لا وزن لها باستثناء الولايات المتحدة وإسرائيل طبعاً، لكن علينا أن ننتبه إلى أن 56 دولة أخرى لم توافق على هذا القرار، واتخذت مواقف تراوحت بين الامتناع عن التصويت (35 دولة) والتغيب عن الحضور (21 دولة).. من بين الدول التي امتنعت عن التصويت دول غربية مهمة (مثل كندا واستراليا) وأخرى من شرق أوروبا (مثل بولندا ورومانيا وتشيكيا وهنغاريا) ودول من أميركا اللاتينية (مثل الأرجنتين والمكسيك والباراغواي)، لكن الأهم دول إفريقية (مثل رواندا وجنوب السودان وأوغندا وجمهورية إفريقيا الوسطى).
علينا أن ننتبه لأن المعركة الحقيقية بدأت، والقادم أخطر.
بقلم: د. حسن نافعة
copy short url   نسخ
28/12/2017
2406