+ A
A -
في عام 2006، وتحديدا في شهر يوليو، كنت في زيارة للضفة الغربية لحضور حفل زفاف، وبما أنني مواطن أردني أحمل ما يسمى بتصريح الاحتلال فإنني ملزم مثل بقية سكان الضفة الغربية بالعبور من خلال المعابر التي يتم التعامل فيها مع المسافرين باعتبارهم أشباه بشر من الدرجة التاسعة، وخلال الرحلة التي قد تمتد إلى نحو 7 ساعات أحيانا والتي يمر خلالها المسافر عبر 3 نقاط حدودية وعدد غير محدود من الحواجز العسكرية ونقاط التفتيش فإن الانطباع الذي لا يغادر ذهن المرء هو أن ثمة جهدا مدروسا وممنهجا لإذلاله والحط من كرامته وربما دفعه إلى المغادرة بشكل نهائي بحثا عن «الكرامة» في مكان آخر. خلال رحلة العودة إلى الأردن وعند حاجز إسرائيلي نصب قبل مدينة طولكرم أصر جندي يبدو أنه من أصول روسية أو أوكرانية أنني يجب أن أعود من حيث أتيت بدون إبداء أية أسباب منطقية، حاول سائق سيارة الأجرة أن يتحدث معه بالعبرية ليفهم منه الأسباب فتبين أن الجندي لا يتكلم حتى العبرية، وبعد وصلة حوار غير بناءة، جاء ضابط آخر يتحدث العربية وبعد أن أدرك أنه لا توجد أسباب منطقية لموقف الجندي، أبلغني أنه بوسعي مواصلة رحلتي.
بصراحة لم أتحمل هذه المزاجية في التعامل، فسألت الضابط عن سبب إصرار زميله على عودتي من حيث أتيت، فضحك وقال ربما لم يعجبه شكلك! فقلت: أليس من المعيب أن تتعامل دولة احتلال تقدم نفسها بأنها واحة الديمقراطية في المنطقة مع العرب كأنهم جنس دوني؟ ثم قلت له أنتم تقولون إنكم تريدون السلام وكل ما نراه منكم هو الكراهية والاحتقار، مهما فعلتم ستبقون جزءا مكروها وغير مقبول من العرب.
ضحك الضابط مرة أخرى وقال: بل على العكس العرب يحبوننا ولكنك لا تعلم ذلك وخلال سنوات قليلة قد تتذكر كلامي.
رغم أنني كتبت ما حدث معي وقتها في مقال نشرته عام 2007 للحديث عن عنصرية الاحتلال وتضييقه على الفلسطينيين في كل شيء إلا أنني لم آخذ كلامه على محمل الجد، إلا عندما بدأت تتبدى مؤخرا حقائق كنا نجهلها، أو نتجاهل تصديقها عن وجود علاقات سرية وثيقة تربط دولة الكيان بعدد من الدول العربية، لدرجة أن بعض هذه الدول اليوم باتت تعمل كوكيل علني لإسرائيل محاولة ترويج مشاريعها الاسيتطانية التوسعية وفرض رؤيتها للحل باعتبارها في مصلحة أمن واستقرار المنطقة ككل.
ما يحدث اليوم وما يتكشف تدريجيا يؤكد أن إسرائيل وإن كانت العدو المعلن للعرب إلا أنها ليست العدو الحقيقي، فالعدو الحقيقي لنا كان ولا يزال هو الديكتاتوريات التي باعت لنا الوهم عقودا من الزمن لتحقيق مصالحها الخاصة لتأتي اليوم وتقول لنا إن مولد النضال ومقاومة الاحتلال قد انفض وإن إسرائيل صديق وفي يملك حقوقا تاريخية في أرض فلسطين والقدس وإن الفلسطينيين يجب أن يقبلوا بكل ما يفرض عليهم دون نقاش!
عدوك الحقيقي ليس من يطلق عليك النار بل من يتظاهر بالوقوف إلى جانبك كي يدل خصمك على أسهل الطرق لتوجيه رصاصاته!
بقلم : لؤي قدومي
copy short url   نسخ
27/12/2017
5598