+ A
A -
عندما كانت المملكة العربية السعودية تقود إلى ما قبل شهر، تحالفاً هدفه المعلن وقف التوسع الإيراني جغرافياً وسياسياً في الشرق الأوسط والخليج، كانت ردود الفعل العربية متناغمة مع هدف يراه الكل ممكنا ووارداً.
غير أن شراً مستطيراً حل في المكان، رافقته طيور شؤم أميركية تغيرت بعدها القرارات والتطورات جذرياً، وحدث خلالها ما لم يكن في الحسبان، والذي تمثل بربطه المذهبي بالسياسي والديني بالدولة والعرقي بالقبلي، وباختصار ربط المسجد الأقصى بالكعبة المشرفة والقدس الشريف بمكة والمدينة، واقتران ذلك كله باستخدام القبلتين في عملية التحجيم والاحتواء.
عقدت من أجل ذلك، الصفقتان، وجاء الأميركيون بكبار ساستهم وجنرالاتهم إلى قمة الرياض الشهيرة في مايو الماضي، وعقدوا عشرات الاتفاقات العلنية والسرية مع المسؤولين في السعودية الذين بدوا في غاية السعادة وقمة الطمأنينة، حين أقنعوا أنفسهم بأنهم جعلوا الدولة الأعظم خادماً مطيعاً بموازاة حملتهم غير المدروسة- بالتأكيد- على الفساد الترليوني، معتقلين مئات الأمراء والتجار الأثرياء، فارضين عليهم مشاركتهم ثرواتهم التي جنوها في المملكة منذ عشرات السنين.
سمينا ذلك، أو فرضوا علينا أن نسميه صفقة القرن التي كان القصد منها في البداية، كما فهمنا، القضايا الملحة التي تؤرق العالم، وفي مقدمتها قضية الصراع بين الفلسطينيين والإسرائيليين، باعتباره أم الصراعات جميعاً.
جعلونا نتصور أن بقية الصراعات ستبدأ بالهبوط فتنة فتنة وأزمة أزمة على سجاد مخملي أعد للاحتفال بالطبخة الكبرى التي سنرقص جميعاً على إيقاعها ونقيم من أجلها الليالي الملاح. غير أن الصفقة لم تكن كما فهمنا، بل كانت باباً كبيراً فتح لتدخل منه إيران وتخرج فلسطين. ونذكر جميعاً أن الرئيس ترامب تعهد منذ أول يوم في حملته الانتخابية بتأديب إيران وتمزيق الاتفاق النووي معها، مقابل أن تدفن القضية الفلسطينية وتوارى الثرى إلى أبد الآبدين.
لم يحدث ذلك، والأرجح ألا يحدث مطلقاً، إذ أن أباطرة التآمر والتخطيط فوجئوا بعالم كامل وقد رصّ صفوفه رافضاً بتصميم غير متوقع بيع القدس في مزاد ترامب وسلمان، وإرسال إيران إلى ما وراء الشمس.
ليست الأمور بهذا القدر من السذاجة والسخافة، فيما لم يعد الكونغرس كما استنتجت «هآرتس»، داعماً لإسرائيل فيما يتعلق بإيران. وفي الوقت ذاته فإن سحر ترامب ليس وحده الذي تبدد، فقد تبدد سحر نتانياهو أيضاً.
وما حدث بعد ذلك، كان مكلفاً وغير متوقع، فالاتحاد الأوروبي وروسيا والصين رفضت كلها فرض عقوبات جديدة على إيران كما تريد واشنطن، وهو ما كان له أثر كبير على مسألة التصويت حول القدس التي خرجت أقوى مما كانت في كل العصور، عصية على المساومة والفتن.
وإضافة إلى ذلك، تقلصت أوراق الرياض التي استهجن العالم عبثها بهذا الأسلوب، بالقدس وبترليونات الشعب السعودي المغيب عن كل شيء. وحتى الجسر البري الذي تريد طهران إقامته نحو بيروت ودمشق لم يدمر، فيما فشلت المملكة في حسم الحرب ضد اليمن أو انقاذ مليون مريض من ضربتهم الكوليرا، أو حتى تطبيع الوضع في لبنان.
وفوق ذلك، تقول إيران للعالم: نحن الذين هزمنا داعش في العراق بواسطة «66» مليشيا عسكرية، ووقفتم أنتم تتفرجون !

بقلم : مازن حماد
copy short url   نسخ
26/12/2017
3206