+ A
A -
بمناسبة أننا على أعتاب عام جديد فإن الشغف بالمستقبل هروبا من الماضي والحاضر المترع بأزمات لا أول لها ولا آخر سيدفع ذلك بعض مقدمي البرامج بفضائيات عربية إلى استضافة من يزعمون قدرة على التنبؤ بما هو آت، ليتكرر موسم الاستشراف الغبي للمستقبل من خلال الاستعانة بالدجل وأصحاب القراءات القاصرة وهواة الادعاء بمعرفة الغيب.
في دول متقدمة يوجد علم المستقبليات الذي يعتمد على منهجية وله أصول وأدوات ودارسون وخبراء، أما في دول العالم الثالث فقلما يستعان بمثل هذا العلم، بل بقارئي الفنجان وضاربي الودع والدجالين الذين يتكسبون من الميديا القاصرة الذهن.
لكل ذلك قررت مقاطعة أي برنامج يستضيف هؤلاء، اذ يمكن للمرء مع بداية العام الجديد ان ينفض عن نفسه غبار عام مضى، وان يطوي الصفحات المرهقة والمحزنة في حياته والتي ينبغي أن تطوى، وأن يتأمل خيرا في القادم، وان يجدد أهدافه التي يسعى لتحقيقها، وذلك على الرغم من أن الطاعنين في العمر مثلي تقل لديهم حزمة الأهداف كلما كبروا، فلا تصير للأهداف حزمة لكثرتها كما كان الأمر في ريعان الشباب، ولكن لا معنى للحياة إلا وللإنسان هدف يسعى لإحرازه وأمنيات يسعى لتحقيقها.
ابني الحبيب والوحيد يستشعر ما يدور في خلدي أحيانا وفي هذه المرة قال لي مستعيرا عبارة جاهزة هي قولة علماء النفس: «الشباب يبدأ بعد السبعين»، فخامرني شك انه ربما يمزح، أو انه في أفضل الأحوال يحاول تحفيزي وتشجيعي على الحياة بمواجهة أعبائها، ولكني وثقت من صدقه حينما جلب رزمة من الورق الأبيض وقال لي جادا: لماذا لا تستأنف مع بداية العام الجديد كتابة رواياتك وأفكار الكتب التي تحدثت عنها، قبل ان تطبعها على جهاز اللاب توب، ليصدر لك فيما هو قادم ما لم يصدر لك وأنت شاب.
فقلت له: أحرزت بعض الشهرة في بلاط صاحبة الجلالة الصحافة حينما كنت صحفيا شابا، ولكن من المتعذر علي الآن ان احقق نصف هذه الشهرة في عالم الرواية وانا بهذه السن، فكيف يخرج كاتب على الناس وهو في الهزيع الاخير من الستينات برواية، فأقل ما سيقولونه: أين كان هذا الرجل الشيبة طوال هذه المدة؟ ولماذا يبدأ الآن روائيا؟ فلم يرق له كلامي، واعتبرني أتصالح مع نزعة انهزامية لم يعتدها فيّ، وانقلبت الاحوال حيث أصبح الابن ينصح ويشجع أباه، بأكثر ما أحفزه وأشجعه على مواجهة زمن مترع بالصعوبات والمشاكل والقضايا.
في واقع الأمر حرك كلام ابني فيّ خمولا كان قد طال أمده، ولكني تبينت ان القلم في يدي اصبح غريبا على أصابعي، التي نسيت ترويضه لكتابة الحروف والكلمات منذ سنوات ليست قليلة بعد الألفة مع التكنولوجيا، ومع ذلك كتبت الفصل الأول من: «أربعة نساء ونعش»، وأظنني قد أعدت العافية لقلمي المستقيل منذ زمن، علني أكمل هذه الرواية، لأنسب لفلذة كبدي فضل إعادتي إلى عشقي القديم: الأوراق البيضاء والكتابة.
بقلم : حبشي رشدي
copy short url   نسخ
26/12/2017
1911