+ A
A -
لا.. ليس كل الجنون، فنونا.
ما هو منه فن، يمكن أن نجده في لوحة، قصيدة، قصة قصيرة، رواية/ منحوتة، وأغنية، وغير ذلك من أشكال الإبداع.
تشهق كل خلية فينا، «هذا جنون» وأي من تلك الأشكال، تأخذنا بعيدا جدا، إلى عوالم من الدهشة، يقف فيها العقل، حائرا تماما.. حين يحتار العقل، ويمسك راأسه بكلتا يديه- هكذا- يجنُ!
وما هو غير ذلك يصبح الجنون، جنونا، بكل ماتحتمل هذه الكلمة من تصرفات، ومنها ما هو كارثى، بامتياز!
الجنون- في فهمنا له، ذياك التقليدى، أشكال، وكذا المجانين: منهم من يتعرى في قارعة الطريق، ومنهم من يرمي الناس بالحجارة، ومنهم من يسب ويشتم، ومنهم من يصير قاتلا.. بل وقاتلا بالجملة.
مجانين القتل بالجملة، ما أكثرهم.. وآخر صيحات هؤلاء المجانين، دهس المارة بالسيارات المهووسة!
أتحدث عن من– أقصد عن ما- أطلقت عليه أستراليا مجنون ملبورن، ثاني أكبر مدن الدولة القارة.
وقعت واقعة الجنون تلك، في ساعة ذروة، عند مفترق طرق.. مفترق هو مفترق العقل وغيابه كليا.. وعادة في هذا المفترق، يصبح كل شيء مفتوحا على كل الاحتمالات التي قد لا تخطر بعقلك أنت، ولا عقلي، ولا عقل مطلق بشر، عاقل.
... وكان الاحتمال، في ذلك المفترق، مأساويا..
اندفعت السيارة.. كانت خليطا من (أبنص) مهووس، وازيز مهووس، ومكابح أراد لها السائق المجنون أن تكون خارج الخدمة، و.. تطاير الناس في الهواء، جرحى.. وتطاير الصراخ والأنين.
«ما زلت أرتعش»!
تلك كانت جملة شاهد عيان على الجنون. كانت جملته تخرج بلسان مرتعش، من فم مرتعش.. تخرج من بين شفتين كل واحدة منهما تجسد الارتعاش، كما هو.. كما هو، بالضبط!
«أوووووه. يا إلهىىىىىىىىىىي. ما شاهدته لا يركب في عقلي. إنه فوق الخيال»!
تلك جملة شاهد آخر، كان يرتجف كله، وهو يحاول أن يحكي.
مجنون ملبورن، شاب تجاوز الثلاثين، وهو من أصل أفغاني، كما تقول السلطات.
الجنون، لا جنسية له.
والمجانين جنسيات، بجنسيات كل العالم تقريبا.
مجنون ملبورن الأول، ذاك الذي دهس جمعا من المارة في يناير الماضي، لم يكن أفغانيا، وكذا مجانين نيس ونيويورك ولندن وبرشلونة وستكهولم وباريس وبرلين.
جنون دهس المارة أصبح صيحة أممية.. صرعة.. ومن تلك الصيحة ما هو مرتبط أصلا بالإرهاب.
هنا يبرز السؤال: كيف لمن يريد رد المظالم، أن يتورط في الظلم: ظلم أن يقتل من لا يعرفهم على الإطلاق من عابري الطريق، أو أولئك الذين هم في المفترق، أو في جلسة هادئة، أو مبتهجون في كرنفال؟
الجنون- بكل أشكاله- أعمى.. ومشكلتنا مع المجانين أننا إذا ما أعطيناهم عكاكيز، يسترشدون بها، فتحنا بابا آخر لكل الاحتمالات الصعبة، واللا مفهومة.
مشكلتنا أننا إذا ما أعطيناهم، صرنا مثلهم.. ونحن بالطبع لا نريد أن نزيد مجانين هذا العالم، مجانين.
لا للزيادة..
لا. لا لتطاير الأجساد ضربا بالعكاكيز!
بقلم : هاشم كرار
copy short url   نسخ
25/12/2017
2744